المسجد الحرام هو أول وأعظم مسجد في الإسلام ويقع في قلب مدينة مكة غرب المملكة العربية السعودية وتتوسطه الكعبة المشرفة التي هو أول بناء وضع على وجه الأرض، وهذه هي أعظم وأقدس بقعة على وجه الأرض عند المسلمين. والمسجد الحرام هو قبلة المسلمين في صلاتهم.
قال تعالى: " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ. " (آل عمران: آية 96).
والمسجد الحرام هو هو أول المساجد الثلاثة التي تشجد لها الرحال. فقد قال النبي محمد
والمسجد الحرام قبلة المسلمين جميعاً، إليه يتجهون في صلواتهم أينما كانوا، قال الله تعالى: }قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُولِّينَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرام{ (البقرة:144). وحج هذا البيت واجب على كل مسلم مرة واحدة في العمر، إذا كان قادراً، يقول تعالى: }وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا{ (آل عمران: 97). كما يُسَنُّ للمسلم أن يزوره معتمراً كل عام إن استطاع، وقد خص الله تعالى هذا البيت بخصائص كثيرة؛ منها أنه جعله مثابة للناس؛ أي يثوبون إليه ثم يرجعون، يقول الإمام ابن كثير: إن الله تعالى يذكر شرف البيت، وماجعله موصوفاً به شرعاً وقدراً من كونه مثابة للناس، أي جعله محلاً تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه، ولاتقضي منه وطراً، ولو ترددت إليه كل عام، استجابة من الله تعالى لدعوة خليله إبراهيم عليه السلام، في قوله تعالى: }فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم{ (إبراهيم:37).
ومن خصائصه الأمن في ربوعه؛ للناس والطير والحيوان، فصيده وقطع شجره حرام مطلقاً على الناس،وكذلك القتال،وتغلّظ الدّية على من قتل غيره خطأً في حرم مكة، وهي منةٌ عظيمة امتنَّ الله تعالى بها على أهل الحرم، وذكَّرهم بها كثيراً في كتابه العزيز، في أكثر من آية، منها قوله تعالى: }وإذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَاَبةً لِلنَّاسِ وأَمنْا{ (البقرة:125). وقوله سبحانه: }وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمناً{ (آل عمران:97) وقوله عز وجل: }وقَالُوا إِنْ نَتبِّعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أرْضِنَا أوَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَئٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا{ (القصص:57).
وهذا البيت موضع تعظيم المسلمين وتقديسهم جميعاً، وأكبر سلاطين الإسلام وملوكهم يفخرون بأنهم خُدّامه، وأول من حَمَل لقب خادم الحرمين الشريفين، المسجد الحرام بمكة ومسجد الرسولr بالمدينة، السلطان العثماني سليم الثاني (974-982هـ/ 1566-1574م)، فلمّا امتد سلطانه السياسي إلى الحجاز، خاطبه الناس بحامي الحرمين، لكنه رفض ذلك، وقال: «إن حاميها هو الله عز شأنه، وأما أنا فخادم الحرمين الشريفين». وأحب الألقاب إلى الملوك السعوديين لقب خادم الحرمين الشريفين.
ومن خصائص الحرم الشريف مضاعفة الثواب فيه أضعافاً كثيرة، فالركعة فيه تعدل مئة ألف ركعة فيما سواه من المساجد، عدا المسجد النبوي والمسجد الأقصى، كما أخبر النبيr، كما أن من يُحْدث فيه حدثاً أو يذنب ذنباً يضاعف له العذاب لقوله تعالى: }وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{ (الحج:25). واستخدام تعبير المسجد الحرام ظهر بعد الإسلام، وقبل ذلك كان العرب يطلقون عليه البيت والبيت العتيق والبيت الحرام والبيت المعمورالذي أقسم الله به، وكلها أسماء أطلقها عليه القرآن الكريم، فقال تعالى: }إِنّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنِّاسِ لَلَّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً{ (آل عمران: 96). وقال: }وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ{ (الحج:29). وقال: }جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِياماً لِلنَّاسِ{ (المائدة97). ومن هنا فإن بناء الكعبة أسبق تاريخياً من المسجد الحرام، والحديث عنها مقدَّم عليه.
أقسام الحرم المكي
للحرم الملكي أقسام أهمها: موقع الكعبة المشرفة في الوسط، على شكل مربع، ويعد حِجْر إسماعيل عليه السلام من جهة الشمال جزءاً منها. وصحن البيت الحرام المكشوف سماؤه، وأروقة المسجد المسقوف، ويشمل أربع طبقات: القبو، وطابقان، والسطح، ويجري فيها كلها الطواف عند الازدحام. ومقام إبراهيم من جهة الشرق على بُعد نحو 50 متراً من الكعبة وبابها. ومقر بئر زمزم من جهة الشرق ينزل إليه الناس بسلَّم. وهناك ميضأة من جهة الشمال، والمكبّرية (موضع الأذان ومقام الإمام) من جهة الجنوب. وتوجد فيه غرف إدارة كثيرة. ويلحق بالحرم: المسعى بين الصفا والمروة، وهو ليس من الحرم، وفيه طابقان.
المسجد الحرام
إن تعبير المسجد الحرام لم يظهر إلا بعد الإسلام، وقد ورد تعبير المسجد الحرام في القرآن الكريم خمس عشرة مرة، منها مايراد به الكعبة المشرفة ذاتها، كما في قوله تعالى: }فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدَ الْحَرامِ{ (البقرة:144-149-150) ومنها ما يراد به الكعبة والمسجد كله، كما في قوله تعالى: }إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا{ (التوبة:28). ومنها ما يراد به مكة المكرمة كلها، كما في قوله تعالى: }سُبْحَانَ الذَّي أَسْرَى بِعَبْدِه لَيْلاً مِنَ الْمَسجِدِ الْحَرامِ إلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الذَّي بَارَكْنَا حَوْلَه{ (الإسراء:1) بناء على أرجح الروايات أن بدء رحلة إسراء الرسولr كان من بيت أم هانئ بنت أبي طالب. وحدود المسجد الحرام كما قال عبد الله بن عمرو بن العاص هي أساس المسجد الذي وضعه إبراهيم عليه السلام من الحَزورَة (موضع بمكة يلي البيت، والمحدثون يقولونه بتشديد الواو وهو تصحيف) إلى المسعى إلى مخرج سيل أجياد (موضع من بطحاء مكة).
وهذا المسجد الحرام هو أشرف بقعة على ظهر الأرض، وأول المساجد الثلاثة التي تشدَّ إليها الرحال أي تقصد للعبادة فيها، والحج إليه أحد أركان الإسلام الخمسة، ولم يكن له سور يحيط به قبل الإسلام، وإنما كان مجرد فَنَاء حول الكعبة، منفتح على دور مكة، وظل كذلك طوال عهد الرسولr، وخليفته الأول أبي بكر الصديق، رضي الله عنه. وأول من جعل له سوراً يحيط به، دون قامة الرجل، هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وزاد في مساحته لما رأى كثرة المصلين فيه، خاصة في موسم الحج، فاشترى دوراً من أهل مكة وأضافها إليه وكان ذلك سنة 17 هـ/638م، ثم زاد عثمان بن عفان، رضي الله عنه، في مساحته للسبب نفسه، وجعل له أروقة مسقوفة، وكان ذلك سنة 26هـ/ 646م. وفي سنة 64 هـ/ 683م وأحدث عبد الله بن الزبير زيادة أخرى، وعمل له أساطين من رخام.