بنصيحة من الإمبراطور الألماني غليوم الثاني الذي أُعجب بها كثيرا
عندما تريد شراء منزل في دمشق وتذهب إلى مكتب عقاري أو تقرأ إعلانات بيع البيوت في الصحف قد تستوقفك عبارة أن المنزل المعروض للبيع يطل على قاسيون أي يمكن مشاهدة جبل قاسيون من شرفاته، وهذه ميزة تسجل لصالح البيت. لكن إذا أردت شراء بيت في حارة المصطبة بالمهاجرين فالعبارة ستكون معكوسة تماما، أي أنك ستقرأ هنا في الإعلان أن البيت يطل على دمشق.
وحكاية حارة المصطبة المرتفعة عن دمشق في سفوح جبل قاسيون هي حكاية مشوقة وتاريخية. وتم تأسيس حي الصالحية الشهير قبل 500 عام من قبل النازحين من بني قدامة من فلسطين إبان الحروب الصليبية إذ مكث هؤلاء في سفوح جبل قاسيون وبنوا عددا من المنازل في السفح فسُميت الحارة بلقبهم حيث كانوا أناسا صالحين.
وتوسعت في القرون التالية ليتأسس أيضا في سفوح الجبل ومن جهة الغرب حي جديد ضم عددا من الحارات الجديدة التي بُنيت بالتتابع الزمني أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وأخذت تسميات متنوعة سُميت بالجادات وانطوت جميعها تحت اسم منطقة «المهاجرين»، وأخذت تسميات محلية تبدأ منطقة الجسر الأبيض وتنتهي بآخر الحي في موقف يسمى السكة، حيث كانت الترام القادم من ساحة المرجة يصل المهاجرين ويتوقف في آخر الخط.
ومنذ ستينيات القرن المنصرم عملت باصات النقل الداخلي ومن ثم سيارات الأجرة الصغيرة والتي ما زالت تقف في آخر خط السكة وتوصل الركاب القادمين من وسط دمشق إلى حارات منطقة المهاجرين، أي الجادات. وهذه سبع حارات تأخذ التسميات التالية:
العفيف وشورى وباشكاتب والشمسية والمصطبة والمرابط والشطة والساحة ونهايتها السكة.
وكان من أبرز هذه الحارات المصطبة، ولتأسيس هذه الحارة الذي تم قبل أكثر من مائة عام حكاية يتداولها أهل الحي والمؤرخون الدمشقيون وتقول إنه في عام 1898 قام الإمبراطور الألماني غليوم الثاني بزيارة دمشق واحتفل بإقامة مصطبة حجرية في حي المهاجرين ثم وقف عليها ناظرا إلى المدينة القديمة والغوطة الممتدة بينهما، فأبدى إعجابه بهذا الموقع كما قدم نصحه بأن يبني الناس بيوتهم فيه.
وبالفعل استمع الناس لنصيحة الملك الألماني فكان أن تأسست حارة المصطبة التي تشكل ركنا أساسيا من حي المهاجرين الكبير، الذي يعتبر اليوم من أرقى وأهدأ أحياء دمشق السكنية.
ويروي المؤرخ علي الطنطاوي الحكاية مفصلة وبأحداثها المشوقة من أن اثنين من وجهاء دمشق هما الباشا أحمد الشمعة والباشا عبد الرحمن اليوسف تنافسا على استضافة الملك الألماني غليوم الثاني، الذي كان صديقا للسلطان العثماني عبد الحميد حتى إن الشمعة بنى في منزله جناحا فيه قاعات كبيرة ودرَج فخم، ولكن الوالي العثماني رأى منعا للخلاف إنزال الإمبراطور الألماني في قصر الحكومة واستقباله في مصطبة أقيمت تكريما له في منطقة المهاجرين ضمت سرادقات هائلة وجرت فيها احتفالات بالغة الروعة والفخامة.
وكان إعجاب غليوم بالمصطبة شديدا، ويؤكد المؤرخون أن أول من سكن الحي وكان سبب تسميته بالمهاجرين مجموعة من المسلمين من جزيرة كريت اليونانية، حيث قامت أواخر القرن التاسع عشر فتنة طائفية في الجزيرة، فهاجر كثير من أهل كريت المسلمين وجاءوا دمشق لاجئين فأسكنهم والي دمشق العثماني آنذاك ناظم باشا في تلك المنطقة المرتفعة التي كان يحبها كثيرا وتقع في سفوح الجبل، ومن هنا جاءت التسمية بحي المهاجرين (كما يؤكد الباحث السوري نصر الدين البحرة معتمدا على المؤرخ علي الطنطاوي).
وحارة المصطبة حاليا تعج بالمحلات التجارية المتنوعة التي تبيع كل شيء كما تضم عددا من المواقع التاريخية.
ويقول فايز العش (70 عاما) أحد أقدم سكان حارة المصطبة والذي يمتلك محلا في سوق الحارة: الحارة تطل على دمشق وهواؤها عليل وتتوضع أبنيتها على طرفي شارع المصطبة وسوقه الذي يبلغ طوله نحو 500 متر ومعظم سكانها من الشوام.
وتضم المصطبة مسجدا تاريخيا يُدعى «نافذ أفندي» ويعود إلى العهد العثماني. ومن أبرز البيوت التاريخية في منطقة المهاجرين والتي بُنيت بطرز معمارية تقليدية بيت يوسف العظمة في جادة الباشكاتب قرب حارة المصطبة، وكان قد سكنه وزير الدفاع السوري الشهير يوسف العظمة أيام الحكومة العربية الفيصلية، وقبل مجيء الفرنسيين إلى سورية سنة 1920. وقد تم ترميم منزله الواسع وأعد قبل ثلاث سنوات ليكون متحفا يضم مقتنيات العظمة. كما اشتهر حي المهاجرين بوجود القصر الجمهوري السابق وببيوت كبيرة اشتهرت بطرازها المعماري التقليدي والثري بزخارفه.
وفي عودة لولادة حي المهاجرين على سفوح قاسيون وكما يؤكد الباحثان البحرة والطنطاوي فإن قصة الحي بدأت مع مجيء الوالي العثماني ناظم باشا إلى دمشق سنة 1899 وزار سفوح جبل قاسيون وأعجبه فرغب في أن تعمر المنطقة وتصبح سكنية، وعرض بيع المتر الواحد بـ«متليك»، وهو ربع قرش تركي، فلم يقدم أحد على الشراء لكون المنطقة جرداء وموحشة. فقام بعدها موظف تركي يُدعى بهاء بك وكان يعمل «مكتوبجي» أي مدير رسائل، واشترى المنطقة بخمسين ليرة ذهبية وحفر فيها بئرا جاءها بالماء من نهر يزيد المتفرع عن نهر بردى. ولما نُقل بها بك من دمشق طلب من صديقه شفيق بك المؤيد شراءها فاستحى منه واشترى المنطقة بمائة ليرة ذهبية وهكذا بدأت المنطقة تعمر ويسكنها الناس
عندما تريد شراء منزل في دمشق وتذهب إلى مكتب عقاري أو تقرأ إعلانات بيع البيوت في الصحف قد تستوقفك عبارة أن المنزل المعروض للبيع يطل على قاسيون أي يمكن مشاهدة جبل قاسيون من شرفاته، وهذه ميزة تسجل لصالح البيت. لكن إذا أردت شراء بيت في حارة المصطبة بالمهاجرين فالعبارة ستكون معكوسة تماما، أي أنك ستقرأ هنا في الإعلان أن البيت يطل على دمشق.
وحكاية حارة المصطبة المرتفعة عن دمشق في سفوح جبل قاسيون هي حكاية مشوقة وتاريخية. وتم تأسيس حي الصالحية الشهير قبل 500 عام من قبل النازحين من بني قدامة من فلسطين إبان الحروب الصليبية إذ مكث هؤلاء في سفوح جبل قاسيون وبنوا عددا من المنازل في السفح فسُميت الحارة بلقبهم حيث كانوا أناسا صالحين.
وتوسعت في القرون التالية ليتأسس أيضا في سفوح الجبل ومن جهة الغرب حي جديد ضم عددا من الحارات الجديدة التي بُنيت بالتتابع الزمني أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وأخذت تسميات متنوعة سُميت بالجادات وانطوت جميعها تحت اسم منطقة «المهاجرين»، وأخذت تسميات محلية تبدأ منطقة الجسر الأبيض وتنتهي بآخر الحي في موقف يسمى السكة، حيث كانت الترام القادم من ساحة المرجة يصل المهاجرين ويتوقف في آخر الخط.
ومنذ ستينيات القرن المنصرم عملت باصات النقل الداخلي ومن ثم سيارات الأجرة الصغيرة والتي ما زالت تقف في آخر خط السكة وتوصل الركاب القادمين من وسط دمشق إلى حارات منطقة المهاجرين، أي الجادات. وهذه سبع حارات تأخذ التسميات التالية:
العفيف وشورى وباشكاتب والشمسية والمصطبة والمرابط والشطة والساحة ونهايتها السكة.
وكان من أبرز هذه الحارات المصطبة، ولتأسيس هذه الحارة الذي تم قبل أكثر من مائة عام حكاية يتداولها أهل الحي والمؤرخون الدمشقيون وتقول إنه في عام 1898 قام الإمبراطور الألماني غليوم الثاني بزيارة دمشق واحتفل بإقامة مصطبة حجرية في حي المهاجرين ثم وقف عليها ناظرا إلى المدينة القديمة والغوطة الممتدة بينهما، فأبدى إعجابه بهذا الموقع كما قدم نصحه بأن يبني الناس بيوتهم فيه.
وبالفعل استمع الناس لنصيحة الملك الألماني فكان أن تأسست حارة المصطبة التي تشكل ركنا أساسيا من حي المهاجرين الكبير، الذي يعتبر اليوم من أرقى وأهدأ أحياء دمشق السكنية.
ويروي المؤرخ علي الطنطاوي الحكاية مفصلة وبأحداثها المشوقة من أن اثنين من وجهاء دمشق هما الباشا أحمد الشمعة والباشا عبد الرحمن اليوسف تنافسا على استضافة الملك الألماني غليوم الثاني، الذي كان صديقا للسلطان العثماني عبد الحميد حتى إن الشمعة بنى في منزله جناحا فيه قاعات كبيرة ودرَج فخم، ولكن الوالي العثماني رأى منعا للخلاف إنزال الإمبراطور الألماني في قصر الحكومة واستقباله في مصطبة أقيمت تكريما له في منطقة المهاجرين ضمت سرادقات هائلة وجرت فيها احتفالات بالغة الروعة والفخامة.
وكان إعجاب غليوم بالمصطبة شديدا، ويؤكد المؤرخون أن أول من سكن الحي وكان سبب تسميته بالمهاجرين مجموعة من المسلمين من جزيرة كريت اليونانية، حيث قامت أواخر القرن التاسع عشر فتنة طائفية في الجزيرة، فهاجر كثير من أهل كريت المسلمين وجاءوا دمشق لاجئين فأسكنهم والي دمشق العثماني آنذاك ناظم باشا في تلك المنطقة المرتفعة التي كان يحبها كثيرا وتقع في سفوح الجبل، ومن هنا جاءت التسمية بحي المهاجرين (كما يؤكد الباحث السوري نصر الدين البحرة معتمدا على المؤرخ علي الطنطاوي).
وحارة المصطبة حاليا تعج بالمحلات التجارية المتنوعة التي تبيع كل شيء كما تضم عددا من المواقع التاريخية.
ويقول فايز العش (70 عاما) أحد أقدم سكان حارة المصطبة والذي يمتلك محلا في سوق الحارة: الحارة تطل على دمشق وهواؤها عليل وتتوضع أبنيتها على طرفي شارع المصطبة وسوقه الذي يبلغ طوله نحو 500 متر ومعظم سكانها من الشوام.
وتضم المصطبة مسجدا تاريخيا يُدعى «نافذ أفندي» ويعود إلى العهد العثماني. ومن أبرز البيوت التاريخية في منطقة المهاجرين والتي بُنيت بطرز معمارية تقليدية بيت يوسف العظمة في جادة الباشكاتب قرب حارة المصطبة، وكان قد سكنه وزير الدفاع السوري الشهير يوسف العظمة أيام الحكومة العربية الفيصلية، وقبل مجيء الفرنسيين إلى سورية سنة 1920. وقد تم ترميم منزله الواسع وأعد قبل ثلاث سنوات ليكون متحفا يضم مقتنيات العظمة. كما اشتهر حي المهاجرين بوجود القصر الجمهوري السابق وببيوت كبيرة اشتهرت بطرازها المعماري التقليدي والثري بزخارفه.
وفي عودة لولادة حي المهاجرين على سفوح قاسيون وكما يؤكد الباحثان البحرة والطنطاوي فإن قصة الحي بدأت مع مجيء الوالي العثماني ناظم باشا إلى دمشق سنة 1899 وزار سفوح جبل قاسيون وأعجبه فرغب في أن تعمر المنطقة وتصبح سكنية، وعرض بيع المتر الواحد بـ«متليك»، وهو ربع قرش تركي، فلم يقدم أحد على الشراء لكون المنطقة جرداء وموحشة. فقام بعدها موظف تركي يُدعى بهاء بك وكان يعمل «مكتوبجي» أي مدير رسائل، واشترى المنطقة بخمسين ليرة ذهبية وحفر فيها بئرا جاءها بالماء من نهر يزيد المتفرع عن نهر بردى. ولما نُقل بها بك من دمشق طلب من صديقه شفيق بك المؤيد شراءها فاستحى منه واشترى المنطقة بمائة ليرة ذهبية وهكذا بدأت المنطقة تعمر ويسكنها الناس