توحي جدران متنوعة تعود إلى العصر البرونزي من ( 2000 – 1500 ق.م ) أن المستوطنة على الجرف المطل على الميناء امتدت تدريجياً جنوباً، كما أنه في أواخر ذلك العصر ( 1500 – 1200 ق.م ) بنيت بوابة ضخمة في سور المدينة الجنوبي.
بعد حقبة من الانحطاط استعادت بيروت قدرتها على التعبير عن موقعها العظيم من خلال حركة بناء كثيفة في بداية الألفية الأولى ق.م، كما غطى بوابة المدينة العائدة إلى القرون السابقة سور واق كبير رصف بالحجارة الطبيعية؛ وقد صمد منحدر هذا السور المرصوف حتى ارتفاع / 6م /، ومن الممكن أن يتخيل المرء كيف كان الأكروبوليس ليبدو منيعاً من حائط سياج يعلو المنحدر.
تحت ستار هذا الأكروبوليس نمت بقوة مدينة منخفضة تخلو من أي نظام دفاعي في حقبة وفر فيها الحكم الفارسي الأمن والاستقرار في أرجاء المشرق وبلاد الرافدين.
ويبدو أن بيروت ركزت على التجارة أكثر من السلطة السياسة في الحقبة الهلينية، وفي القرن الثالث ق.م سمح لها الاستقلال عن صيدا وسياسات الملوك السلوقيين ببناء نظام دفاعي جديد فاستبدلت جدران الدعم المحيطة بالأكروبوليس أو التل القديم بجدار منيع يتراوح عرضه بين / 10 – 12م /، وعند زاوية الأكروبوليس الشرقية بني برج قطره / 12م / وبلغت سماكة حائط المدينة الشرقي / 2.5م /، وقد دعم عند الزاوية الجنوبية الشرقية ببرج دائري، وتشير بداية جدار يمتد غرباً إلى وجود جدار جنوبي بمحاذاة طريق طرابلس القديم ( شارع غورو، وشارع الأمير بشير ).
لم تبنى الحصون فقط بسبب المنافسة بين المراكز البحرية في المشرق فمن المنطقة الواقعة خلق الساحل والجبال، بدأت تشن هجمات تستهدف الثروات المجمعة في المدن.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة تدخلت الجيوش الرومانية في هذه الحروب المحلية؛ ونتيجة لسياسة أغسطس أصبحت بيروت معقلاً عسكرياً عبر تأسيس مستعمرة لفيلقين من الجيش، كما قضت سياسة الإمبراطورية الرومانية العامة بأن يحميا المدن والأقاليم، ولم تكن أنظمة الدفاع المدنية قد بنيت بعد في تلك الحقبة بل شيدت المدن بدلاً من المعابد، والمسارح، والحمامات، والشوارع المعمدة.
في الحقبة التي تلت الحكم الروماني، لم تستعد المدينة أبداً مكانتها القديمة كمركز بحري مهم إلا أن السلطات الأموية بدأت على الأرجح بتعزيز موقع بيروت كأهم مدنها التي تملك مرفأ لكن لا إثبات على ذلك حتى يومنا هذا، وتوحي الأدلة المستخرجة من الحفريات بأن بناء أسوار المدينة وبواباتها يعود إلى القرن التاسع، وفي الواقع طمست معظم الأدلة أعمال التصليح المستمرة وبناء مدينة الحقبة التي تلت القرون الوسطى، وفي المنطقة الغربية من المدينة المتوسطية دعم قسم من الخندق المائي الذي حفر في الصخر الأديم بطبقات من الحجارة، أما في المنطقة الجنوبية فتم تحديد موقع باب دركة ضمن سور المدينة والبالغ عرضه / 3م /، ويذكر أن عناصر من الحقبة الرومانية مثل أعمدة وقواعد أعمدة أعيد استخدامها في السور الذي كشف عن إصلاحات تعود إلى أوائل العهد العثماني.
هذه الآثار المقتطعة من تاريخ مديني امتد قرابة / 5000 سنة / ستدمج مع بعضها ضمن تسلسل تاريخي يقود الزائر المستقبلي عبر المدينة العصرية.
لم تترك التغيرات السياسية في شبكات السلطة في الألف الأول ق.م أثراً سلبياً على بيروت، لكن ربما خضعت المدينة لحصار، ودمر جزء من حصونها أو تعرضت لأي نوع آخر من العمليات العسكرية، ويذكر أن السلطة المصرية امتدت عبر غزة وفلسطين باتجاه ساحل جبل لبنان، وأن إمارات سوريا الآرامية أقامت علاقات مع المنطقة الواقعة خلف الساحل اللبناني.
هذا وشكلت المراكز الساحلية هدفاً جذب الآشوريين الذين شنوا حملة عسكرية على سوريا ، وسعوا إلى تأمين منفذ لهم على الشبكة التجارية المتوسطية، وقد خلف هؤلاء الملوك نقوشهم التذكارية على الجرف المحيطة بمصب نهر الكلب.
تنقصنا أدلة خطية لنعرف ما كانت بالتحديد ردة فعل السلطات في بيروت حيال المطامع الآشورية، ولكن يعتقد أن أمراء بيروت كانوا مستعدين لدفع ضريبتهم للملك الآشوري، وعندما حل حكام الفرس محل الهيمنة الآشورية اتخذت السلطات البيروتية موقفاً يتكيف مع نظام القوة الجديد، وحين شن الاسكندر الكبير حملاته على المشرق، انجذب إلى مدينة صور أكثر من بيروت على الأرجح، لكن الأخيرة تعاملت مع الجيش المتقدم بواقعية سياسية أكبر.
عندما وفاة الاسكندر المقدوني، قسمت المملكة بين قواد جيشه فأصبحت جزءاً من الإمبراطورية البطالمية أولاً ثم السلوقية، ونعتقد أن المدينة عرفت الازدهار مجدداً في هذه الحقبة بدليل تشييد حائط على حدودها الشرقية والجنوبية، وحصن زود ببساتين مستديرة حول الأكروبوليس القديم.
بنيت معالم الحضارة والسلطة الرومانية داخل هذه المدينة الهلينية، ويبدو أن ساحة عامة هي ( ساحة النجمة الحالية ) كانت متصلة عبر جادة شمالية – جنوبية هي ( الكاردو ماكسيموس ) بحمام ضخم شمالاً ومنشآت دينية جنوباً، وتشير الآثار القليلة التي لم تمسها ورشات إعادة الإعمار الهائلة إلى وجود عدد أكبر من مجمعات الاستحمام والبيوت القديمة في منطقة هذه البنى الرومانية الجديدة.
تأقلم سكان بيروت ونمط الحياة الجديد الذي ميز المدن الرومانية، وفي القرن الأول أطلق هيرودوس العظيم برنامج إعمار طموح دعمه الإمبراطور في روما، وراحت العائلات المحلية تضيف معالم هامة إلى المدينة مثل: مسرح، ونافورة مقدسة، ومعابد، وقاعات اجتماع، وصفوف أعمدة، ومجمعات استحمام، وذلك برعاية هيرودوس أغريبا ( Herod Agrippa )، وذلك من / 10 إلى 44م/، ولم يكن بناء مدرسة حقوق في القرون اللاحقة إلا جزءً من هذا البرنامج الذي أتاح لسكان بيروت إظهار غناهم وقوتهم، أما في أوائل الحقبة المسيحية فقد أصبح بناء الكنائس أحد وسائل التعبير عن وضع عائلات بيروت المدينية.
في منتصف القرن السادس ق.م، دمر زلزال مفاجئ المدينة صاحبة الأشكال الهندسية الرائعة فأعاد الناجون إعمارها لكن بنمط يقل عظمة عن السابق، وجمعت عدة البناء من الأبنية المنهارة، وضمن محيطها استخدمت غرف مجدداً أو عدلت قليلاً وفقاً لمعايير جديدة.
كانت بيروت المدينة التي أصبحت جزءً من شبكة سياسية جديدة في بداية عهد الخلفاء العباسيين من ( القرن السابع إلى التاسع الميلادي )، وسعى حكام الداخل على تأمين مرافئ بغية المشاركة في الشبكة التجارية المتوسطية، لكن بيروت لم تضم مراكز القوة والدعاية لهذه الممالك الجديدة، ولذلك لا تعكس هندستها المعمارية عظمة الماضي؛ غير أن أهميتها كمرفأ تجاري بقيت على حالها، وقد حاولت المدينة حماية سكانها من الهجمات التي شنتها المنطقة الجنوبية الداخلية في هذه القرون عبر بناء أسوار جديدة، وتشير أفران الخزف، ومعامل الزجاج المكتشفة إلى أن ظلت مركز إنتاج للبضائع التي راحت تصدر إلى مناطق أخرى، وأما إنتاج الحرير فكان مصدراً آخراً للدخل فيها.
بعد حقبة من الانحطاط استعادت بيروت قدرتها على التعبير عن موقعها العظيم من خلال حركة بناء كثيفة في بداية الألفية الأولى ق.م، كما غطى بوابة المدينة العائدة إلى القرون السابقة سور واق كبير رصف بالحجارة الطبيعية؛ وقد صمد منحدر هذا السور المرصوف حتى ارتفاع / 6م /، ومن الممكن أن يتخيل المرء كيف كان الأكروبوليس ليبدو منيعاً من حائط سياج يعلو المنحدر.
تحت ستار هذا الأكروبوليس نمت بقوة مدينة منخفضة تخلو من أي نظام دفاعي في حقبة وفر فيها الحكم الفارسي الأمن والاستقرار في أرجاء المشرق وبلاد الرافدين.
ويبدو أن بيروت ركزت على التجارة أكثر من السلطة السياسة في الحقبة الهلينية، وفي القرن الثالث ق.م سمح لها الاستقلال عن صيدا وسياسات الملوك السلوقيين ببناء نظام دفاعي جديد فاستبدلت جدران الدعم المحيطة بالأكروبوليس أو التل القديم بجدار منيع يتراوح عرضه بين / 10 – 12م /، وعند زاوية الأكروبوليس الشرقية بني برج قطره / 12م / وبلغت سماكة حائط المدينة الشرقي / 2.5م /، وقد دعم عند الزاوية الجنوبية الشرقية ببرج دائري، وتشير بداية جدار يمتد غرباً إلى وجود جدار جنوبي بمحاذاة طريق طرابلس القديم ( شارع غورو، وشارع الأمير بشير ).
لم تبنى الحصون فقط بسبب المنافسة بين المراكز البحرية في المشرق فمن المنطقة الواقعة خلق الساحل والجبال، بدأت تشن هجمات تستهدف الثروات المجمعة في المدن.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة تدخلت الجيوش الرومانية في هذه الحروب المحلية؛ ونتيجة لسياسة أغسطس أصبحت بيروت معقلاً عسكرياً عبر تأسيس مستعمرة لفيلقين من الجيش، كما قضت سياسة الإمبراطورية الرومانية العامة بأن يحميا المدن والأقاليم، ولم تكن أنظمة الدفاع المدنية قد بنيت بعد في تلك الحقبة بل شيدت المدن بدلاً من المعابد، والمسارح، والحمامات، والشوارع المعمدة.
في الحقبة التي تلت الحكم الروماني، لم تستعد المدينة أبداً مكانتها القديمة كمركز بحري مهم إلا أن السلطات الأموية بدأت على الأرجح بتعزيز موقع بيروت كأهم مدنها التي تملك مرفأ لكن لا إثبات على ذلك حتى يومنا هذا، وتوحي الأدلة المستخرجة من الحفريات بأن بناء أسوار المدينة وبواباتها يعود إلى القرن التاسع، وفي الواقع طمست معظم الأدلة أعمال التصليح المستمرة وبناء مدينة الحقبة التي تلت القرون الوسطى، وفي المنطقة الغربية من المدينة المتوسطية دعم قسم من الخندق المائي الذي حفر في الصخر الأديم بطبقات من الحجارة، أما في المنطقة الجنوبية فتم تحديد موقع باب دركة ضمن سور المدينة والبالغ عرضه / 3م /، ويذكر أن عناصر من الحقبة الرومانية مثل أعمدة وقواعد أعمدة أعيد استخدامها في السور الذي كشف عن إصلاحات تعود إلى أوائل العهد العثماني.
هذه الآثار المقتطعة من تاريخ مديني امتد قرابة / 5000 سنة / ستدمج مع بعضها ضمن تسلسل تاريخي يقود الزائر المستقبلي عبر المدينة العصرية.
لم تترك التغيرات السياسية في شبكات السلطة في الألف الأول ق.م أثراً سلبياً على بيروت، لكن ربما خضعت المدينة لحصار، ودمر جزء من حصونها أو تعرضت لأي نوع آخر من العمليات العسكرية، ويذكر أن السلطة المصرية امتدت عبر غزة وفلسطين باتجاه ساحل جبل لبنان، وأن إمارات سوريا الآرامية أقامت علاقات مع المنطقة الواقعة خلف الساحل اللبناني.
هذا وشكلت المراكز الساحلية هدفاً جذب الآشوريين الذين شنوا حملة عسكرية على سوريا ، وسعوا إلى تأمين منفذ لهم على الشبكة التجارية المتوسطية، وقد خلف هؤلاء الملوك نقوشهم التذكارية على الجرف المحيطة بمصب نهر الكلب.
تنقصنا أدلة خطية لنعرف ما كانت بالتحديد ردة فعل السلطات في بيروت حيال المطامع الآشورية، ولكن يعتقد أن أمراء بيروت كانوا مستعدين لدفع ضريبتهم للملك الآشوري، وعندما حل حكام الفرس محل الهيمنة الآشورية اتخذت السلطات البيروتية موقفاً يتكيف مع نظام القوة الجديد، وحين شن الاسكندر الكبير حملاته على المشرق، انجذب إلى مدينة صور أكثر من بيروت على الأرجح، لكن الأخيرة تعاملت مع الجيش المتقدم بواقعية سياسية أكبر.
عندما وفاة الاسكندر المقدوني، قسمت المملكة بين قواد جيشه فأصبحت جزءاً من الإمبراطورية البطالمية أولاً ثم السلوقية، ونعتقد أن المدينة عرفت الازدهار مجدداً في هذه الحقبة بدليل تشييد حائط على حدودها الشرقية والجنوبية، وحصن زود ببساتين مستديرة حول الأكروبوليس القديم.
بنيت معالم الحضارة والسلطة الرومانية داخل هذه المدينة الهلينية، ويبدو أن ساحة عامة هي ( ساحة النجمة الحالية ) كانت متصلة عبر جادة شمالية – جنوبية هي ( الكاردو ماكسيموس ) بحمام ضخم شمالاً ومنشآت دينية جنوباً، وتشير الآثار القليلة التي لم تمسها ورشات إعادة الإعمار الهائلة إلى وجود عدد أكبر من مجمعات الاستحمام والبيوت القديمة في منطقة هذه البنى الرومانية الجديدة.
تأقلم سكان بيروت ونمط الحياة الجديد الذي ميز المدن الرومانية، وفي القرن الأول أطلق هيرودوس العظيم برنامج إعمار طموح دعمه الإمبراطور في روما، وراحت العائلات المحلية تضيف معالم هامة إلى المدينة مثل: مسرح، ونافورة مقدسة، ومعابد، وقاعات اجتماع، وصفوف أعمدة، ومجمعات استحمام، وذلك برعاية هيرودوس أغريبا ( Herod Agrippa )، وذلك من / 10 إلى 44م/، ولم يكن بناء مدرسة حقوق في القرون اللاحقة إلا جزءً من هذا البرنامج الذي أتاح لسكان بيروت إظهار غناهم وقوتهم، أما في أوائل الحقبة المسيحية فقد أصبح بناء الكنائس أحد وسائل التعبير عن وضع عائلات بيروت المدينية.
في منتصف القرن السادس ق.م، دمر زلزال مفاجئ المدينة صاحبة الأشكال الهندسية الرائعة فأعاد الناجون إعمارها لكن بنمط يقل عظمة عن السابق، وجمعت عدة البناء من الأبنية المنهارة، وضمن محيطها استخدمت غرف مجدداً أو عدلت قليلاً وفقاً لمعايير جديدة.
كانت بيروت المدينة التي أصبحت جزءً من شبكة سياسية جديدة في بداية عهد الخلفاء العباسيين من ( القرن السابع إلى التاسع الميلادي )، وسعى حكام الداخل على تأمين مرافئ بغية المشاركة في الشبكة التجارية المتوسطية، لكن بيروت لم تضم مراكز القوة والدعاية لهذه الممالك الجديدة، ولذلك لا تعكس هندستها المعمارية عظمة الماضي؛ غير أن أهميتها كمرفأ تجاري بقيت على حالها، وقد حاولت المدينة حماية سكانها من الهجمات التي شنتها المنطقة الجنوبية الداخلية في هذه القرون عبر بناء أسوار جديدة، وتشير أفران الخزف، ومعامل الزجاج المكتشفة إلى أن ظلت مركز إنتاج للبضائع التي راحت تصدر إلى مناطق أخرى، وأما إنتاج الحرير فكان مصدراً آخراً للدخل فيها.