إن حفريات مدينة بيروت القديمة لهو أكثر من عرض للآثار التاريخية، وتعيين موقعها على خريطة ثنائية الأبعاد، وكتابة تقرير تقني عن المكتشفات، فعرض الآثار القديمة في إطار إعادة إعمار بيروت يتطلب إعادة دمجها لتشكل جزءاً لا يتجزأ من صورة المدينة وإبداع سيرة ذاتية لها.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الحفريات الأثرية في بيروت
مرت أعمال التنقيب عن ماضي بيروت بعدة مراحل، كان كميل إنلارت ( Camille Enlart ) من أوائل الذين وصفوا نصباً قديماً فيها، ففي العام / 1905م / وثق توثيقاً منظماً الجامع العمري ( الذي بني ككتدرائية صليبية في القرن الثاني عشر بعد الميلاد ) ممهداً بذلك الطريق أمام المزيد من الأبحاث، وكذلك دو مسنيل دو بويسون ( Du Mesnil du Buisson ) الذي درس حصون بيروت في العشرينيات من القرن الماضي، فيما حاول علماء آثار آخرون توثيق تاريخها المعماري في الوقت عينه، بول كولينيه من جهته درس الوثائق والآثار المتعلقة بوجود مدرسة الحقوق في بيروت.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بين الحربين العالميتين تمكن جان لوفراي ( Jean Lauffray ) من وضع أول خريطة شاملة لوسط المدينة الروماني مستخدماً نتائج التنقيبات الأثرية السابقة ومراقباته الخاصة، في حين جرت ورشة إعادة إعمار ضخمة في ساحة النجمة وأحياء فوش ألنبي، ورمم كالايان ( Kalayan ) العديد من المكتشفات في بيروت وفي جوارها، وأبرزت جهوده أهمية حقبة كبيرة من تاريخ لبنان في ناظري زائر العصر الحالي.
شهد العام / 1993م / بداية مرحلة أخرى من إعادة إعمار الماضي في بيروت، وتطلبت جهود أثرية ضخمة من / 14 / فريق حفريات في الفترة التي سبقت إعادة بناء وسط مدينة تعرض لدمار هائل، وفي الفترة التي تلته.
بيروتا ( Biruta )، بيريتوس ( Berytus ) باروت ( Barut )، بيروت ( Beyrouth ) :
حدد موقع مستوطنة بيروت على شبه الجزيرة الناتئة من الشفة الساحلية الضيقة التي تميز الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، فتحت حماية رأس بيروت، وقرب مصب نهر بيروت، كانت السفن المبحرة بمحاذاة سواحل شرق المتوسط تجد لها ملاذاً آمناً من العواصف، ويمكن للمرء تخيل البحارة الهوميريين يتنقلون من جون إلى جون بحثاً عن ملجأ لهم في الخلجان يقضون فيه الليل، ولعل النقطة الاستراتيجية في الجرف قرب الموقع أو المواقع حيث يمكن إنزال السفن وإخراجها من الماء، ولدت مستوطنة مهمتها تزويد هذه السفن بالمؤونة والعتاد منذ بداية التاريخ المدني، وهكذا أسست الأرباح والضرائب المتأتية عن هذه التجارة الأولى لتاريخ طويل من الازدهار المدني والتجاري، وربما ليست القصور والمعابد والعنابر المشيدة على امتداد عمر بيروت المدني إلا تجسيداً لغنى سكانها الذائعي الصيت.
نادرة للغاية هي القطع التي تمكن علماء الآثار من استخراجها من هذا الموقع، والسبب أعمال إعادة الأعمار المتواصلة التي يخضع لها، وقد كانت المستوطنة التي تعود إلى الألف الثالث ق.م صغيرة ولكن ممتدة إلى حد ما ؛ هذا ما استنتجه العلماء من جدران الدعم التي تقدمت تدريجياً باتجاه داخل الأرض، مما أدى إلى قيام منطقة مرتفعة عن سطح الأرض راحت مساحتها تتوسع، وعلى هذا المنطقة أمكن بناء المعابد الأبدية العظمة والقصور والعنابروالمباني الإدارية، ونعتقد أنه حول التل العالي استغل الأراضي الصالحة للزراعة فلاحون يقطنون قرى صغيرة خارج الحصن المرتفع تقع ربما على التلال المحيطة بالمنخفض القليل العمق، وفي السهل الممتد على ضفتي نهر بيروت.
في الألف الأول ق.م أصبح التل العالي أصغر من أن يسمح بتشييد مبان إدارية ودينية إلى جانب المساكن والعنابر، فتم التخطيط لأعمال إعادة بناء على مستوى البنية التحتية للمرفأ أيضاً، وتحولت المدينة إلى نقطة محورية للعلاقات التجارية مع شرق البحر الأبيض المتوسط، وفي تلك المرحلة بالذات شقت السفن عباب المتوسط، ونقلت البضائع من الشرق والغرب عبر الشبكات التجارية المعقدة.
كان مركز القوة في تلك الحقبة يكمن في دولة المدينة، وقد سعت المدن التي كانت تتمتع بمجموعة قوانين وامتيازات واسعة النطاق ووضع سياسي مميز، إلى تعزيز سلطتها عبر معاهدات تضمن لها التجارة داخل المنطقة وخارجها.
حققت بيروت لنفسها موقعاً مهماً في شرق المتوسط، وكان للمدينة أكروبوليس في الموقع القديم ( موقع الجرف المطلة على المرفأ )، وامتدت أبنيتها لتؤلف مدينة أكثر انخفاضاً انتشرت حول المرفأ شيدت فيها مجموعة متنوعة جداً من الأشكال الهندسية، فعلى جرف غربي مطل على الميناء حوى أكروبوليس زائف مساكن تجار بيروت الفخمة؛ وقد وفقوا في اختيار هذا الموقع لأن الرياح الغربية المسيطرة على المدينة لم تكن تحمل إليه أصوات المرفأ ورائحته، ويذكر أن شوارع ذلك الجزء من بيروت زودت بقنوات لتصريف المياه، أما المدافن فقد امتدت غرباً على طول الجرف المحاذية للبحر.
وجدت آثار متعددة تنوعت بين السلال المطمورة نصفها في الأرض والمهاجع الصغيرة التي توحي بأنها كانت تأوي عمال المرفأ في المنطقة المتاخمة له، وبمحاذاة محيط المدينة المنخفضة، وتشير المعالم الأثرية المكتشفة مثل الأفران، والحفر من مختلف الأحجام إلى مكان الحي الحر في موقع استراتيجي بالنسبة إلى الريح الغربية المسيطرة، وفي هذه المنطقة بالذات نحدد موقع إحدى أهم صناعات مدن الشرق فقد لعبت بيروت دورها في صناعة الصباغة الأرجوانية الشهيرة، كما كمان الإسفنج فيها ينظف ويصدر أيضاً ليستخدم لأغراض أقل أهمية على الأرجح، وتوحي مقبرة صخرية بسيطة البناء بأن المحيط كان يستخدم أيضاً كمدفن لسكان المدينة المنخفضة أو سواهم من أشخاص خارج المستوطنة اعتمدت عليهم المدينة بشدة لتزويدها بمستلزماتها.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة الحفريات الأثرية في بيروت
مرت أعمال التنقيب عن ماضي بيروت بعدة مراحل، كان كميل إنلارت ( Camille Enlart ) من أوائل الذين وصفوا نصباً قديماً فيها، ففي العام / 1905م / وثق توثيقاً منظماً الجامع العمري ( الذي بني ككتدرائية صليبية في القرن الثاني عشر بعد الميلاد ) ممهداً بذلك الطريق أمام المزيد من الأبحاث، وكذلك دو مسنيل دو بويسون ( Du Mesnil du Buisson ) الذي درس حصون بيروت في العشرينيات من القرن الماضي، فيما حاول علماء آثار آخرون توثيق تاريخها المعماري في الوقت عينه، بول كولينيه من جهته درس الوثائق والآثار المتعلقة بوجود مدرسة الحقوق في بيروت.
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بين الحربين العالميتين تمكن جان لوفراي ( Jean Lauffray ) من وضع أول خريطة شاملة لوسط المدينة الروماني مستخدماً نتائج التنقيبات الأثرية السابقة ومراقباته الخاصة، في حين جرت ورشة إعادة إعمار ضخمة في ساحة النجمة وأحياء فوش ألنبي، ورمم كالايان ( Kalayan ) العديد من المكتشفات في بيروت وفي جوارها، وأبرزت جهوده أهمية حقبة كبيرة من تاريخ لبنان في ناظري زائر العصر الحالي.
شهد العام / 1993م / بداية مرحلة أخرى من إعادة إعمار الماضي في بيروت، وتطلبت جهود أثرية ضخمة من / 14 / فريق حفريات في الفترة التي سبقت إعادة بناء وسط مدينة تعرض لدمار هائل، وفي الفترة التي تلته.
بيروتا ( Biruta )، بيريتوس ( Berytus ) باروت ( Barut )، بيروت ( Beyrouth ) :
حدد موقع مستوطنة بيروت على شبه الجزيرة الناتئة من الشفة الساحلية الضيقة التي تميز الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، فتحت حماية رأس بيروت، وقرب مصب نهر بيروت، كانت السفن المبحرة بمحاذاة سواحل شرق المتوسط تجد لها ملاذاً آمناً من العواصف، ويمكن للمرء تخيل البحارة الهوميريين يتنقلون من جون إلى جون بحثاً عن ملجأ لهم في الخلجان يقضون فيه الليل، ولعل النقطة الاستراتيجية في الجرف قرب الموقع أو المواقع حيث يمكن إنزال السفن وإخراجها من الماء، ولدت مستوطنة مهمتها تزويد هذه السفن بالمؤونة والعتاد منذ بداية التاريخ المدني، وهكذا أسست الأرباح والضرائب المتأتية عن هذه التجارة الأولى لتاريخ طويل من الازدهار المدني والتجاري، وربما ليست القصور والمعابد والعنابر المشيدة على امتداد عمر بيروت المدني إلا تجسيداً لغنى سكانها الذائعي الصيت.
نادرة للغاية هي القطع التي تمكن علماء الآثار من استخراجها من هذا الموقع، والسبب أعمال إعادة الأعمار المتواصلة التي يخضع لها، وقد كانت المستوطنة التي تعود إلى الألف الثالث ق.م صغيرة ولكن ممتدة إلى حد ما ؛ هذا ما استنتجه العلماء من جدران الدعم التي تقدمت تدريجياً باتجاه داخل الأرض، مما أدى إلى قيام منطقة مرتفعة عن سطح الأرض راحت مساحتها تتوسع، وعلى هذا المنطقة أمكن بناء المعابد الأبدية العظمة والقصور والعنابروالمباني الإدارية، ونعتقد أنه حول التل العالي استغل الأراضي الصالحة للزراعة فلاحون يقطنون قرى صغيرة خارج الحصن المرتفع تقع ربما على التلال المحيطة بالمنخفض القليل العمق، وفي السهل الممتد على ضفتي نهر بيروت.
في الألف الأول ق.م أصبح التل العالي أصغر من أن يسمح بتشييد مبان إدارية ودينية إلى جانب المساكن والعنابر، فتم التخطيط لأعمال إعادة بناء على مستوى البنية التحتية للمرفأ أيضاً، وتحولت المدينة إلى نقطة محورية للعلاقات التجارية مع شرق البحر الأبيض المتوسط، وفي تلك المرحلة بالذات شقت السفن عباب المتوسط، ونقلت البضائع من الشرق والغرب عبر الشبكات التجارية المعقدة.
كان مركز القوة في تلك الحقبة يكمن في دولة المدينة، وقد سعت المدن التي كانت تتمتع بمجموعة قوانين وامتيازات واسعة النطاق ووضع سياسي مميز، إلى تعزيز سلطتها عبر معاهدات تضمن لها التجارة داخل المنطقة وخارجها.
حققت بيروت لنفسها موقعاً مهماً في شرق المتوسط، وكان للمدينة أكروبوليس في الموقع القديم ( موقع الجرف المطلة على المرفأ )، وامتدت أبنيتها لتؤلف مدينة أكثر انخفاضاً انتشرت حول المرفأ شيدت فيها مجموعة متنوعة جداً من الأشكال الهندسية، فعلى جرف غربي مطل على الميناء حوى أكروبوليس زائف مساكن تجار بيروت الفخمة؛ وقد وفقوا في اختيار هذا الموقع لأن الرياح الغربية المسيطرة على المدينة لم تكن تحمل إليه أصوات المرفأ ورائحته، ويذكر أن شوارع ذلك الجزء من بيروت زودت بقنوات لتصريف المياه، أما المدافن فقد امتدت غرباً على طول الجرف المحاذية للبحر.
وجدت آثار متعددة تنوعت بين السلال المطمورة نصفها في الأرض والمهاجع الصغيرة التي توحي بأنها كانت تأوي عمال المرفأ في المنطقة المتاخمة له، وبمحاذاة محيط المدينة المنخفضة، وتشير المعالم الأثرية المكتشفة مثل الأفران، والحفر من مختلف الأحجام إلى مكان الحي الحر في موقع استراتيجي بالنسبة إلى الريح الغربية المسيطرة، وفي هذه المنطقة بالذات نحدد موقع إحدى أهم صناعات مدن الشرق فقد لعبت بيروت دورها في صناعة الصباغة الأرجوانية الشهيرة، كما كمان الإسفنج فيها ينظف ويصدر أيضاً ليستخدم لأغراض أقل أهمية على الأرجح، وتوحي مقبرة صخرية بسيطة البناء بأن المحيط كان يستخدم أيضاً كمدفن لسكان المدينة المنخفضة أو سواهم من أشخاص خارج المستوطنة اعتمدت عليهم المدينة بشدة لتزويدها بمستلزماتها.