تذكر الوثيقتان (1) و(2) أن الأمير سليمان بن هنكار هو خال السلطان سليم، الأمر الذي يعني أنه دخل بلاد النوبة في منتصف القرن السادس الميلادي. من جانب آخر ورد أن داؤود كارة تُوفِّي 1838م. إذن هنالك 300 سنة تفصل بين الرجلين. الأجيال الواردة في الوثائق (8 أجيال في 2 و4؛ 7 أجيال في 1 و3) يمكن أن تغطي هذه المسافة الزمنية، لولا الثغرات الواضحة في قوائم النسبة الأربع. وأوثق القوائم عندنا هي رقم (1) و(2)، ونجد أنفسنا ميّالين لاعتماد الاسم "علي" الوارد في القائمتين (2) و(3)، فهو اسم يتكرّر في الأجيال اللاحقة، وتكرار الأسماء سمة هذه العائلة الأميرية، من ذلك الجد الثاني لأمير النوبة في زماننا عبد القادر شلبي أحمد علي سمل داؤود كارة. لكن كيف يُعقل أن يكون أبناء خؤولة السلطان سليم مجرد كشّاف، وهي رتبة مدنية دنيا مقارنةً مع وظيفتي "بيك" و"أغا" العسكريتين؟
إلاّ أن قلعتي إبريم وصاي لم تكونا تحت إمرة الكُشّاف من أسرة الولياب كما تشهد بذلك الوثائق التاريخية، ذلك لأنهما كانتا حاميات عسكرية بحتة. كما من المتواتر عند إخباريينا أن القائد العسكري لقلعة صاي كان يحمل لقب "أغا" وليس لقب "الكاشف". وقد تعاقب على صاي ـ كما هو الأمر أيضاً في إبريم ـ عدّة أغوات أشهرهم وردي الكبير الذي ـ حسب العديد من الروايات ـ ينحدر منه جميع الوردياب بالسّكّوت، وهؤلاء ليسوا من الولياب كما أنهم لا يردون في أنساب فركاوي. في الحقيقة نكاد لا نجد في فركاوي أحداً من الولياب بصاي (صيصاب) بخلاف الوجيه إبراهيم عثمان طه الذي يلج نادي سراة القوم هذا عن طريق حبّوبته. فأغلب تُركُمان صاي من المجموعة التي تُعرف باسم "المندولاب"، والتي يلج إليها كاتب هذه السطور عن طريق حبّوبته لأمّه أيضاًبخصوص هذا البيت "المندولاب" من النوبة التُّركُمان يحدّثنا نسّابة المندولاب الحاج محمد عبد الرحيم (أُكْمَا) قائلاً :
جاء البُلُك باشا رمضان محمد علي الألباني مع السلطان سليم إلى مصر عندما كان يحكمها السلطان الغوري وقائد جيشه طُمان باي. تمّ تعيين البُلك باشا رمضان محمد على الألباني حاكماً على إسنا. هناك تزوّج البُلك باشا من امرأة بُصيلية اسمها منديلة مخلّفاً منها ثلاثة أولاد هم: [1] شاويش (أو شاووش) وهوجد ناس أرقين، [2] أيّوب وهو جد ناس دبيرة وإشكيت، [سَمِل] وهو جد ناس أُكما وأتّب وأشّيمّتّو. هذه هي قبيلة المندولاب. بعد ذلك بسنوات خرج محمد بن مصطفى بن سمل بن البُلك باشا رمضان محمد علي الألباني لجمع الخراج من الناس. عندما جاء إلى أُروون آرتي (صرص) دخل في خلاف مع ملكها حكيم أُورو (أحد أحفاد عاصي موسى ـ حينها أصبحوا يزعمون أنهم من البيت النبوي الشريف) نجم عنه قتل حفيد البُلك باشا. ما أن انتشر الخبر حتى جاء ابنه المدعو القائمقام محمد مصطفى سمل لأخذ الثأر. عندها نصح الناس حكيم أُورو باتّباع الحيلة وذلك بأن يرشوَ المغاربة البربر (Tinokkiyya) العاملين كجنود مع التُّركُمان لاستدراج القائمقام بعيداً عن المعسكر عندما يذهب لقضاء الحاجة. كانت خطة حكيم أورو تكمن في أن يختطف القائمقام ويعبر به إلى داخل جزيرة أُروون آرتي وذلك بهدف إرضائه بتزويجه من إحدى بناته الجميلات بلونهنّ الأبيض بخلاف ما عليه بنات أرض الحجر، ذلك لأن آل حكيم أورو عرب أشراف. نجحت الخطة بدءاً من الاستدراج وانتهاءً بالزواج. وقد بنى حكيم أورو للقائمقام منزلاً بأُكما قريباً من حمّام عكاشة الذي أدمن القائمقام الاستحمام فيه.
"أنجب القائمقام ابنين وبنتاً: [1] نصر وهو جد آل أُكما (ومنهم الرّاوي: محمد/ عبد الرحيم/ حسن/ محمد/ علي/ نصر/ القائمقام/ محمد/ مصطفى/ سمل/ البُلك باشا رمضان محمد علي الألباني)، [2] خيري و[3] البنت (لم يتمكن من ذكر اسمها) وقد تزوّجها شخص من صاي فأنجبت ولداً أسمته على أبيها قائمقام، وهو جد آل قائمقام بصيصاب.
"تزوّج القائمقام بامرأة أخرى من منطقة فركي، أنجب منها سليمان الذي تزوّج بثلاث نساء، واحدة منهنّ كانت ابنة عمّه وأنجبت له ابناً أسماه خليلاً وهو جد آل دهب فضل همّت خليل بأُكما. كما كانت واحدة من زوجاته الثلاث نوبية الأصل من تنقور، وهي قرية كان أهلها من النوبة صِرفاً وكانت لا تزال النصرانية عالقةً بذاكرتهم. وقد عبّر الكاشف عن رغبته في الزواج من تلك البنت . من جانبهم وافق أهلها لاتّقاء شرّ الكّشّاف الطُّغاة. بيد أن البنت وضعت شرطاً وهو أنها إذا حملت وأنجبت ولداً، فلها حق اختيار اسمه، فوافق الكاشف. وهذا ما حدث بالفعل، حيث أنجبت ولداً اختارت له اسم "جريس" من باب التّحدي ومناجزة الكُشّاف. فقد كان "جريس" اسماً لملكٍ نوبيٍّ عظيم من زمن النصرانية. ومن هنا جاء آل جريس بمنطقة السّكّوت وأرض الحجر."
إن هذه الإفادة تثير من الأسئلة أكثر مما تجيب؛ فهذا الكاشف من المندولاب وليس من الولياب. فهل كانت الكشوفية مشتركاً فيها بين هذين الفرعين من النوبة التُّركمان؟ لاحظ أن المندولاب أسرة تركمانية بخلاف أسرتي حسن قوسي ومن بعده ولي كار علي. إذا كان جريس الكبير ابن امرأة من نوبة تنقور، فأين باقي أهل تنقور؟ هل هم الآن جزء من آل جريس تمشّياً مع نظرية انتساب مجمل القبيلة إلى أبناء الغريب؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن لقب "البُلُك باشا" ما هو إلاّ رتبة عسكرية؛ إذن البُلُك باشا رمضان محمد علي الألباني كان عسكرياً، الأمر الذي ينفي أن يكون كاشفاً. يتأكّد هذا بحقيقة أن الفرق العسكرية في كلٍّ من قلعتي إبريم وصاي كانت تُقسّم بنظام البُلُك (boloks)، أي التجريدات، حيث كان من المسموح لكل فرقة أن تُنمّي عددها عبر أبناء الجنود الإنكشارية الأمر الذي نجم عنه أن يرث الأبناء إمتيازات الآباء [جون أليكساندر، 2001: 9]. فإذا كان أبناء الكاشف يصبحون كشّافاً، فإن أبناء البُلُك باشا يصبحون بُلُك باشوات. عليه فقد كان محمد بن مصطفى بن سمل بن البلك باشا رمضان الألباني أعلى درجة من الكشّاف بحكم أنه وريث لرتبة عسكرية وبيك، أي قائد تجريدة عسكرية (بُلُك). هذا بدوره يضعف من احتمال أن يكون الكشّاف أبناء خؤولة السلطان سليم الثاني، إذ كيف يجوز للألباني أن يتسنّم درجةً أعلى من أمير تركي غزنوي؟ من جانب آخر نرى من المستبعد أن يكون البُلُك باشا رمضان محمد علي الألباني قد قدم مع السلطان سليم، ذلك لأنه تزوّج من إحدى النساء المحليّات، وهذا أمر لم يُسمح به إلاّ بعد زمن طويل، ربما منتصف القرن السابع عشر، أي بحوالي مائة عام بعد تجريدة السلطان سليم الثاني. وإلاّ فكيف تسنّى له أن يطلق على أحد أبنائه اسماً نوبياً بحتاً مثل "سَمِل"، إن كان قد جاء لتوّه من الأناضول أو البلقان؟ ونشير إلى أن اسم "قائمقام" في الأصل هو "قائم مقام" وهي رتبة عسكرية تركية، أما هنا فهي اسم. من الغالب أن الرتبة العسكرية كانت قد أصبحت اسماً بعد زمن من دخول السلطان سليم الثاني. أخيراً نشير إلى أن السلطان الغوري وقائد جيشه طُمان باي عاصرا سليم الأوّل (1517-1524) وليس سليم الثاني الذي جاء بعد ذلك بعقود كما أسلفنا. هنا نجد الحاج محمد عبد الرحيم يكرر نفس أخطاء المؤرخين المعاصرين، لكن هذا لا يعني أنه أخذ عنهم بالضرورة، ذلك لأن المؤرخين المعاصرين إنما وقعوا في هذا الخطأ لاعتمادهم ما ذكره لويس بيركهاردت بهذا الشأن حسبما ذكره له أهالي منطقة الدّر المتحدّرين من أصول تركمانية عندما قضى ليلةً بين ظهرانيهم عام 1813م. أي أنه قد بعدت الشُّقة وطال العهد على التركمان قبل مائتي عام (ناهيك عن الآن) فخلطوا بين السلطان سليم الأوّل وبين الثاني مع أن ثلاثة عقود تفصل بينهما على أقل تقدير.
لا يفوتنا أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى الوظيفة الأيديولوجية للأنساب في الإفادة أعلاه؛ فمثلاً ما إن يتزوّج شاويش بن رمضان الألباني بامرأة من أرقين حتى يصبح جَدّاً لعموم ناس أرقين، وأخوه أيّوب يصبح جَدّاً لعموم ناس إشكيت ... إلخ. وهكذا ما إن يتزوج التركماني ببنت من إحدى القرى، حتى يتعلّق الجميع بالنسب والحسب الباذخ نافضين يدهم من عبودية الهويّة النوبية، إذّاك زمن التُّركُمان.
إذا جئنا إلى صاي، فسنجد نفس الاضطراب والثغرات تحيط بأحد أهم الأسر، ألا وهي الوردياب. سأبدأ بإفادة شيخ صيصاب والذي ترجع نسبته على النحو التالي:
محمد/ عباس/ مصطفى "أبو راس"/ مراد/ وردي/ هُدى (أمّه)/ وردي الكبير.
وردي الكبير كان تركياً وجاء بوصفه أغا (أي الحاكم العسكري) على قلعة صاي. وقد تزوّج بامرأة من صاي، فأنجبت له ابنته هدى التي خلّفها وراءه بصاي إذ لم يمكث بها كثيراً. جاء أحد الكشّاف من المنطقة شمال حلفا واسمه محمد فتزوّج بهدى وأنجب منها، إلاّ أنها لم تغادر صاي إذ أصرت على البقاء بها وكان ذلك من شروطها.
الآن دعونا نتأمّل بعض قوائم النسبة الخاصة بالوردياب مقارنةً مع النسبة أعلاه والتي أعطيناها الرقم (1). النماذج الأخرى التي سنتعرض لها أولها (2) قائمة مأخوذة من العمل الضخم الذي قام به ابن صاي البار محمد مصطفى فرح (شهدي) والتي نشرها في عدة مواقع إلكترونية مثل عبري/تبج وصاي وموركي. لكنا هنا سنستشهد بما ورد في موقع صاي [www.jazeratsai.com]، (3) قائمة أوردها بدري كاشف [2000: 7] لدى استعراضه لنسب الشاعر الفنان خليل فرح، ثم (4) القائمة الخاصة بنسب ابن صاي (أرودين) الحاج حسن مرسي التي أملاها بنفسه لسيد مسل [سيد مسل، 1974: 146]:
إلاّ أن قلعتي إبريم وصاي لم تكونا تحت إمرة الكُشّاف من أسرة الولياب كما تشهد بذلك الوثائق التاريخية، ذلك لأنهما كانتا حاميات عسكرية بحتة. كما من المتواتر عند إخباريينا أن القائد العسكري لقلعة صاي كان يحمل لقب "أغا" وليس لقب "الكاشف". وقد تعاقب على صاي ـ كما هو الأمر أيضاً في إبريم ـ عدّة أغوات أشهرهم وردي الكبير الذي ـ حسب العديد من الروايات ـ ينحدر منه جميع الوردياب بالسّكّوت، وهؤلاء ليسوا من الولياب كما أنهم لا يردون في أنساب فركاوي. في الحقيقة نكاد لا نجد في فركاوي أحداً من الولياب بصاي (صيصاب) بخلاف الوجيه إبراهيم عثمان طه الذي يلج نادي سراة القوم هذا عن طريق حبّوبته. فأغلب تُركُمان صاي من المجموعة التي تُعرف باسم "المندولاب"، والتي يلج إليها كاتب هذه السطور عن طريق حبّوبته لأمّه أيضاًبخصوص هذا البيت "المندولاب" من النوبة التُّركُمان يحدّثنا نسّابة المندولاب الحاج محمد عبد الرحيم (أُكْمَا) قائلاً :
جاء البُلُك باشا رمضان محمد علي الألباني مع السلطان سليم إلى مصر عندما كان يحكمها السلطان الغوري وقائد جيشه طُمان باي. تمّ تعيين البُلك باشا رمضان محمد على الألباني حاكماً على إسنا. هناك تزوّج البُلك باشا من امرأة بُصيلية اسمها منديلة مخلّفاً منها ثلاثة أولاد هم: [1] شاويش (أو شاووش) وهوجد ناس أرقين، [2] أيّوب وهو جد ناس دبيرة وإشكيت، [سَمِل] وهو جد ناس أُكما وأتّب وأشّيمّتّو. هذه هي قبيلة المندولاب. بعد ذلك بسنوات خرج محمد بن مصطفى بن سمل بن البُلك باشا رمضان محمد علي الألباني لجمع الخراج من الناس. عندما جاء إلى أُروون آرتي (صرص) دخل في خلاف مع ملكها حكيم أُورو (أحد أحفاد عاصي موسى ـ حينها أصبحوا يزعمون أنهم من البيت النبوي الشريف) نجم عنه قتل حفيد البُلك باشا. ما أن انتشر الخبر حتى جاء ابنه المدعو القائمقام محمد مصطفى سمل لأخذ الثأر. عندها نصح الناس حكيم أُورو باتّباع الحيلة وذلك بأن يرشوَ المغاربة البربر (Tinokkiyya) العاملين كجنود مع التُّركُمان لاستدراج القائمقام بعيداً عن المعسكر عندما يذهب لقضاء الحاجة. كانت خطة حكيم أورو تكمن في أن يختطف القائمقام ويعبر به إلى داخل جزيرة أُروون آرتي وذلك بهدف إرضائه بتزويجه من إحدى بناته الجميلات بلونهنّ الأبيض بخلاف ما عليه بنات أرض الحجر، ذلك لأن آل حكيم أورو عرب أشراف. نجحت الخطة بدءاً من الاستدراج وانتهاءً بالزواج. وقد بنى حكيم أورو للقائمقام منزلاً بأُكما قريباً من حمّام عكاشة الذي أدمن القائمقام الاستحمام فيه.
"أنجب القائمقام ابنين وبنتاً: [1] نصر وهو جد آل أُكما (ومنهم الرّاوي: محمد/ عبد الرحيم/ حسن/ محمد/ علي/ نصر/ القائمقام/ محمد/ مصطفى/ سمل/ البُلك باشا رمضان محمد علي الألباني)، [2] خيري و[3] البنت (لم يتمكن من ذكر اسمها) وقد تزوّجها شخص من صاي فأنجبت ولداً أسمته على أبيها قائمقام، وهو جد آل قائمقام بصيصاب.
"تزوّج القائمقام بامرأة أخرى من منطقة فركي، أنجب منها سليمان الذي تزوّج بثلاث نساء، واحدة منهنّ كانت ابنة عمّه وأنجبت له ابناً أسماه خليلاً وهو جد آل دهب فضل همّت خليل بأُكما. كما كانت واحدة من زوجاته الثلاث نوبية الأصل من تنقور، وهي قرية كان أهلها من النوبة صِرفاً وكانت لا تزال النصرانية عالقةً بذاكرتهم. وقد عبّر الكاشف عن رغبته في الزواج من تلك البنت . من جانبهم وافق أهلها لاتّقاء شرّ الكّشّاف الطُّغاة. بيد أن البنت وضعت شرطاً وهو أنها إذا حملت وأنجبت ولداً، فلها حق اختيار اسمه، فوافق الكاشف. وهذا ما حدث بالفعل، حيث أنجبت ولداً اختارت له اسم "جريس" من باب التّحدي ومناجزة الكُشّاف. فقد كان "جريس" اسماً لملكٍ نوبيٍّ عظيم من زمن النصرانية. ومن هنا جاء آل جريس بمنطقة السّكّوت وأرض الحجر."
إن هذه الإفادة تثير من الأسئلة أكثر مما تجيب؛ فهذا الكاشف من المندولاب وليس من الولياب. فهل كانت الكشوفية مشتركاً فيها بين هذين الفرعين من النوبة التُّركمان؟ لاحظ أن المندولاب أسرة تركمانية بخلاف أسرتي حسن قوسي ومن بعده ولي كار علي. إذا كان جريس الكبير ابن امرأة من نوبة تنقور، فأين باقي أهل تنقور؟ هل هم الآن جزء من آل جريس تمشّياً مع نظرية انتساب مجمل القبيلة إلى أبناء الغريب؟ تجدر الإشارة هنا إلى أن لقب "البُلُك باشا" ما هو إلاّ رتبة عسكرية؛ إذن البُلُك باشا رمضان محمد علي الألباني كان عسكرياً، الأمر الذي ينفي أن يكون كاشفاً. يتأكّد هذا بحقيقة أن الفرق العسكرية في كلٍّ من قلعتي إبريم وصاي كانت تُقسّم بنظام البُلُك (boloks)، أي التجريدات، حيث كان من المسموح لكل فرقة أن تُنمّي عددها عبر أبناء الجنود الإنكشارية الأمر الذي نجم عنه أن يرث الأبناء إمتيازات الآباء [جون أليكساندر، 2001: 9]. فإذا كان أبناء الكاشف يصبحون كشّافاً، فإن أبناء البُلُك باشا يصبحون بُلُك باشوات. عليه فقد كان محمد بن مصطفى بن سمل بن البلك باشا رمضان الألباني أعلى درجة من الكشّاف بحكم أنه وريث لرتبة عسكرية وبيك، أي قائد تجريدة عسكرية (بُلُك). هذا بدوره يضعف من احتمال أن يكون الكشّاف أبناء خؤولة السلطان سليم الثاني، إذ كيف يجوز للألباني أن يتسنّم درجةً أعلى من أمير تركي غزنوي؟ من جانب آخر نرى من المستبعد أن يكون البُلُك باشا رمضان محمد علي الألباني قد قدم مع السلطان سليم، ذلك لأنه تزوّج من إحدى النساء المحليّات، وهذا أمر لم يُسمح به إلاّ بعد زمن طويل، ربما منتصف القرن السابع عشر، أي بحوالي مائة عام بعد تجريدة السلطان سليم الثاني. وإلاّ فكيف تسنّى له أن يطلق على أحد أبنائه اسماً نوبياً بحتاً مثل "سَمِل"، إن كان قد جاء لتوّه من الأناضول أو البلقان؟ ونشير إلى أن اسم "قائمقام" في الأصل هو "قائم مقام" وهي رتبة عسكرية تركية، أما هنا فهي اسم. من الغالب أن الرتبة العسكرية كانت قد أصبحت اسماً بعد زمن من دخول السلطان سليم الثاني. أخيراً نشير إلى أن السلطان الغوري وقائد جيشه طُمان باي عاصرا سليم الأوّل (1517-1524) وليس سليم الثاني الذي جاء بعد ذلك بعقود كما أسلفنا. هنا نجد الحاج محمد عبد الرحيم يكرر نفس أخطاء المؤرخين المعاصرين، لكن هذا لا يعني أنه أخذ عنهم بالضرورة، ذلك لأن المؤرخين المعاصرين إنما وقعوا في هذا الخطأ لاعتمادهم ما ذكره لويس بيركهاردت بهذا الشأن حسبما ذكره له أهالي منطقة الدّر المتحدّرين من أصول تركمانية عندما قضى ليلةً بين ظهرانيهم عام 1813م. أي أنه قد بعدت الشُّقة وطال العهد على التركمان قبل مائتي عام (ناهيك عن الآن) فخلطوا بين السلطان سليم الأوّل وبين الثاني مع أن ثلاثة عقود تفصل بينهما على أقل تقدير.
لا يفوتنا أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى الوظيفة الأيديولوجية للأنساب في الإفادة أعلاه؛ فمثلاً ما إن يتزوّج شاويش بن رمضان الألباني بامرأة من أرقين حتى يصبح جَدّاً لعموم ناس أرقين، وأخوه أيّوب يصبح جَدّاً لعموم ناس إشكيت ... إلخ. وهكذا ما إن يتزوج التركماني ببنت من إحدى القرى، حتى يتعلّق الجميع بالنسب والحسب الباذخ نافضين يدهم من عبودية الهويّة النوبية، إذّاك زمن التُّركُمان.
إذا جئنا إلى صاي، فسنجد نفس الاضطراب والثغرات تحيط بأحد أهم الأسر، ألا وهي الوردياب. سأبدأ بإفادة شيخ صيصاب والذي ترجع نسبته على النحو التالي:
محمد/ عباس/ مصطفى "أبو راس"/ مراد/ وردي/ هُدى (أمّه)/ وردي الكبير.
وردي الكبير كان تركياً وجاء بوصفه أغا (أي الحاكم العسكري) على قلعة صاي. وقد تزوّج بامرأة من صاي، فأنجبت له ابنته هدى التي خلّفها وراءه بصاي إذ لم يمكث بها كثيراً. جاء أحد الكشّاف من المنطقة شمال حلفا واسمه محمد فتزوّج بهدى وأنجب منها، إلاّ أنها لم تغادر صاي إذ أصرت على البقاء بها وكان ذلك من شروطها.
الآن دعونا نتأمّل بعض قوائم النسبة الخاصة بالوردياب مقارنةً مع النسبة أعلاه والتي أعطيناها الرقم (1). النماذج الأخرى التي سنتعرض لها أولها (2) قائمة مأخوذة من العمل الضخم الذي قام به ابن صاي البار محمد مصطفى فرح (شهدي) والتي نشرها في عدة مواقع إلكترونية مثل عبري/تبج وصاي وموركي. لكنا هنا سنستشهد بما ورد في موقع صاي [www.jazeratsai.com]، (3) قائمة أوردها بدري كاشف [2000: 7] لدى استعراضه لنسب الشاعر الفنان خليل فرح، ثم (4) القائمة الخاصة بنسب ابن صاي (أرودين) الحاج حسن مرسي التي أملاها بنفسه لسيد مسل [سيد مسل، 1974: 146]: