مدينة الهرمل

نيفين

Junior Member
5 سبتمبر 2015
208
6
0
انها منطقة الهرمل التي تبدلت بدءا من سهل القاموع عند سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية وحتى قرنة الرجال العشرة المواجهة البحر المتوسط غربا، إلى مدى سياحي كبير، تجتمع العوامل الطبيعية والأثرية والاجتماعية، بمنحها لها كل الصلاحيات المطلوبة التي تجعلها قبلة سياحية يزخر بكل ما يتمناه الزائر من مناظر خلابة وهدوء وراحة. تنبسط المساحات السهلية الواسعة من جهة والجبال العذراء المزينة بأشجار اللزاب والشوح من جهة أخرى لتضما بينهما نهر العاصي مع خضار ضفتيه وتحتضنا الكثير من المواقع الأثرية الشاهدة على حقب تاريخية عديدة مرت بها المنطقة. بات القاموع الروماني رمزها والحارس الأمين والدائم لمدخلها الشرقي، يستقبل القادمين إليها في أي وقت. وتطول وتتعدد أسماء المعالم الأثرية الأخرى، من دير مار مارون وقصر البنات بالقرب من منبع نهر العاصي، إلى قناة زنوبيا التي جرّت ملكة تدمر بواسطتها مياه النهر يوما حتى ربوع مملكتها في تدمر، وكنيسة بريصا البيزنطية ولوحتي الملك الأشوري نبوخذ نصّر اللتين تخلدان انتصاراته وإعجابه بجمال المنطقة. تضاف إلى كل ذلك طاحونة العميرية التاريخية وغيرها الكثير من الآثار التي لا تزال مدفونة إما في باطن الأرض أو في غياهب الإهمال والنسيان. ويحيط بكل تلك المواقع التاريخية جمال طبيعي متميز يبدأ بمشهد انسياب مياه نهر العاصي الغزيرة والنقية والشلالات العديدة التي يزخر بها مجراه والمقاهي والمطاعم وأندية الرياضة المائية التي تمتد على طول ضفتيه. وتنبسط إلى الجهة الغربية من النهر مدينة الهرمل بمنازلها الموزعة فوق مجموعة من التلال الصغيرة يتوسطها المنتزه القديم للمدينة المعروف بـ «منشية الوقف» وقد ارتبط وجوده بتاريخها والكثير من الأحداث التي شهدتها. وتزيّن أشجار الدلب والصفصاف الباسقة المنشية وهي شبه الحديقة الوحيدة في الهرمل. وتخترق المدينة بساتين عديدة، ويمتد على طول حدودها الجنوبية وادي الجوز الذي كان محطة للكاتب جبران خليل جبران ومكانا تجري فيه أحداث قصته القصيرة «أرم ذات العماد». وإذا كانت حدود المدينة تنتهي عند سفح سلسلة جبال لبنان الغربية فإن مداها الطبيعي يستمر صعودا داخل الأودية الخلابة حتى أعالي جرود الأودية والسّوَح ومرجحين وجباب الحمر وعميري التي باتت مقصداً لرواد المشي في الطبيعة والسياحة البيئية. وتوفر الجرود للزائر كل ما يحتاج اليه كي يطيل الإقامة في ربوعها المتوجة بروح كرم أهلها وترحابهم بالضيف ما يشعر السائح بالدفء والألفة كأنه داخل عائلته. وإذا كانت المنطقة تختزن كل تلك الثروة السياحية الهائلة فإن العقبة الرئيسية التي تمنع حصول النقلة النوعية المطلوبة في صناعة السياحة في المنطقة تبقى تلك المسافة البعيدة التي تفصلها عن العاصمة بيروت وسوء الطريق المؤدية اليها والشاهدة على حرمانها الذي، وإن كان «النقمة» التي حلت بأبناء المنطقة منذ عقود طويلة، فإنه ربما كان له «نعمة» وحيدة في إبقاء المنطقة بعيدة عن مظاهر التلوث الذي تجلبه كل حركة للنمو الاقتصاد من نفايات المصانع والضوضاء ودخان السيارات. وتتربع المنطقة اليوم على رأس جدول المناطق المخصصة للسياحة البيئية وتلك المرتبطة بالتنمية المستدامة وهي مقصودة، على إمكانياتها، من كل أصقاع العالم، خصوصا مع انتشار المشاريع السياحية البيئية في أرجائها التي توفر للسائحين كل أسباب الراحة من خيم ومنازل الطين والحجر «الغشيم» والطعام البيئي.
الهرمل ـ ركان الفقيه
يشعر الزائر بالرهبة كلما توغل بعيدا في السهل شبه الصحراوي عميقاً في قلب البقاع الشمالي. تخفف المنازل المتناثرة كحبات قمح «فلتت» من بين أصابع فلاح، من وطأة الإحساس الثقيل بالوحشة والسكون. قمح يبذره فلاح شرع يحرث السهل الفسيح باكرا، وسكون تكسره أكشاك بيع السجائر ورائحة الخبز العربي المنبعث من أفران الحطب والدكاكين القديمة التي تتحلق شاخصة إلى الطريق، تتشبث به، وتنتظر العابرين أبدا إلى البعيد.
يستمر مشهد القحط المترامي الأطراف مليئا بآلاف الحفر والمطبات التي تملأ الطريق الموصلة إلى مدينة الهرمل، ما يزيد الشعور المتعب بصعوبة الرحلة بين «عاصمة الوطن» و«عاصمة القضاء» حتى الثمالة.
تبدو مسافة المئة وخمسين كيلومترا التي تفصل المدينة عن بيروت أطول بكثير مما هي في علوم السحاب والرياضيات ومعها الجغرافيا. مسافة، بالرغم من أنها الأبعد بين العاصمة وآخر «دسكرة» في لبنان، لكن ذلك الشعور بالإعياء وان طال لبعض الوقت، فإنه سرعان ما يتلاشى مع الإطلالة الأولى على نهر العاصي. هناك يرسم النهر الذي عصي على المجرى الطبيعي لأشقائه الأنهار الأخرى قي لبنان، يشق طريقه الخاصة. يخط مشهداً آخر يضج بالحياة والجمال على حواف تمتد بعيدا بمحاذاة مجراه. يروي العاصي قصة وجود بدأت منذ الأزل حين ملأت النسوة جرارهن ذات صباح من المياه العذبة، بما يشبه خفر الصفصاف وعدن إلى منازل الطين والقصب عند سفوح التلال المشرفة على النهر.
مع العاصي تتشكل الظواهر السياحية الرئيسية للهرمل ومحيطها، هي هبته وهو شريانها الدائم الذي يمدها بالحياة ليس على الطريقة الشاعرية للعلاقة بل فعلياً وخصوصاً في ظل المناخ شبه الصحراوي التي يطبع المنطقة.
تبدو أهمية القطاع السياحي المتطور على ضفتي نهر العاصي جلية، يقويها وجود المقاهي والمطاعم وأندية الكانوي -كاياك والرافت. تعود أسباب النمو الكبير للقطاع في سنوات قليلة بعد فترة من المراوحة إلى جملة عوامل. طبعاً يأتي على رأسها جمال طبيعي أخاذ يلف ضفتي النهر ويجمع بين الخضرة والمياه والفرصة لممارسة شتى أنواع السياحة كالرياضة المائية والنزهات العائلية والمشي في بيئة لم تتلوث بعد وسهول تسمح باحتضان هواة السياحة الريفية في مدى جغرافي واسع غير متوافر في مناطق أخرى من لبنان تختنق بالعمران.
في الهرمل، يحافظ المجتمع الريفي على خصوصية تتجلى أكثر في الأودية والجرود التي لا تزال على «خامها» وعاداتها خصوصا. وهي ميزة هامة جدا لاجتذاب السياح الذين يهتمون بالتعرف إلى عادات الريف وتقاليده ومأكولاته ولباسه وتراثه، والمشتاقين للقمة بعيدة عن استخدامات الأسمدة والأدوية الكيميائية وألبان واجبان البودرة. ويتعزز اللقاء بالصفة الرئيسية لأبناء المنطقة الذين يتمتعون بروح الضيافة والعفوية، ناهيك عن الآثار التاريخية التي تعود إلى مراحل زمنية مفصلية في تاريخ المنطقة كحقبة الحضارات الرومانية والآشورية والصليبية والأموية وغيرها، وارتباطها وتكاملها مع آثار المتكاملة مع مثيلاتها في سوريا والأردن.
img_1338127455_676.jpg


img_1338127451_922.jpg
img_1338127451_457.jpg