مدينة المستنير

منى1

Junior Member
5 سبتمبر 2015
211
1
0
تشتهر مدينة المنستير بحصنها الضخم "رباط المنستير" وسورها العالى الذى يرجع إلى عهد الفتح العربى لأفريقيا، وتوجد مدينة المنستير فى المنتصف الشرقى للبلاد التونسية وعلى واجهة البحر الأبيض المتوسط وهى تبعد عن العاصمة تونس بـ 200 كليومترا.

وكانت المنستير أول مدينة عربية اسلامية تتأسس فى افريقيا، وكانت تجمع تونس الحالية وقسما من الجزائر وقد اصبحت سنة 665 ميلادية "السنة 45 من الهجرة" معقلا خارجيا لحماية العاصمة القيروان.

وكان هرثمة بن الأعين، والى الخليفة هارون الرشيد، هو الذى أسس الرباط الكبير بالمنستير سنة 796 ميلادى "سنة 180 هجري" وأصبح أكثر المعالم الدفاعية ضخامة بفضل التوسعات والتحصيانات التى أدخلت عليه بين القرن 15 والقرن 18 وسكنه المرابطون وهم متطوعون لخدمة الرباط.

ويعتبر رباط المنستير اليوم اقدم حصن فى المغرب العربى وأحسنها حالة ويشرف برج المراقبة فيه الذى يبلغ علوه عشرين مترا على ساحة الرباط التى تحيط بها الحجرات من ثلاث جهات وفى قمة هذا البرج يبرز جمال كورنيش المنستير على أفضل صوره.

يشتمل رباط المنستير الذى يطلق عليه ايضا اسم القصر الكبير على اقدم نقيشة عربية عثر عليها فى شمال افريقية ترقى الى سنة 181 هجرى . كما ان رباط ابن دؤيد بالمنستير يشتمل على نقيشة اخرى تضاهيها اهمية ترقى الى سنة 240 هجري.

يتخذ الرباط شكل قلعة مدعمة بأبراج مستديرة وأخرى متعددة الأضلاع. تزين كنّة المدخل خمسة مشاك مسطحة منتهية بأقواس نصف دائرية يعتليها إفريز من الأشكال النباتية، وهو تنسيق زخرفى يميز الأسلوب الفاطمى الزيري. يتكون المدخل من بوابة منعرجة، تعلوها نقيشة حفصية كتبت بخط نسخي. وتؤدى البوابة إلى فناء يسمح بالولوج إلى الرباط الأصلي. يضم الداخل فناءً محاطا بأروقة تنفتح عليها الغرف. ويأوى الطابق الأول قاعة للصلاة تتألف من أسكوبين وسبع بلاطات، يتميز البلاط الأوسط بعرضه الكبير مقارنة مع البلاطات الأخرى. وسوف يصبح هذا الترتيب المعمارى المطبق لأوّل مرة فى قاعة للصلاة أمراً ثابتاً فى جميع الجوامع الإفريقية "التونسية" الكبيرة.

توجد أمام هذا المجمع، من جهة الجنوب وعلى مستوى الطابق الأول، قاعة مؤلفة من سبعة بلاطات يقطعها أسكوبان؛ وهى مسقوفة بقبوات نصف أسطوانية، باستثناء البلاط الأوسط، الذى غطى نصفه الجنوبى بقبيبة كروية الشكل منخفضة ودون حنيات ركنية. تدل كل هذه المعطيات على تواجد قاعة للصلاة بالموضع تم سد محرابها، ويُذكّـِر شكلها المعمارى بالرباط القديم الذى كان موجودا فى امتدادها. بنى هذا الجناح عام 355 هجري/ 966 ميلادي، وأشار إليه البكرى فى منتصف القرن 5 للهجرة.

استمرت أعمال التعديل عام 1115 هجري/1704 ميلادى حيث تم تدعيم البناء بأبراج متعددة الأضلاع فى الزاويتين الجنوبية - الشرقية والشمالية - الغربية، وبرج مستدير فى الزاوية الشمالية - الشرقية، وهى منشآت تمكن من استقبال مدفعية تبعاً لتطور التقنيات الحربية. كما تمت إضافة أبراج أخرى، وبالأخص البريجات البارزة، إبّان أعمال التجديد التى أمر بها حسين باى بين عامى 1238-1250 هجري/ 1823-1835ميلادي.

إذن فالشكل الخارجى لأسوار الحصن قليل التجانس، وربما يعود ذلك إلى أعمال التدعيم المختلفة التى تتابعت بين القرن 11 و 13 الهجريين/ 17 و 19 الميلاديين.

تمّ توسيع رباط المنستير من الجانب الشمالى خلال عهد الأغالبة، ومن الجانب الجنوبى خلال العهد الفاطمى عام 355 هجري/966 ميلادي.

أما الأعمال التى أنجزت خلال الفترة الحفصية والتى تسجلها نقيشة تذكارية مؤرخة عام 828 هجري/1424 ميلادي، فإنها قد وسعت مساحة القلعة إلى 4200متر مربع. وقد أضيفت بين القرنين 11 و 13 الهجريين/ 17 و 19 الميلاديين مجموعة من التدعيمات والأبراج والبريجات البارزة المتعددة الأضلاع والمستديرة ، بهدف استيعاب قطع المدفعية.

وقد كان الرباط فى البداية قبل التعديل رباعيّ الأضلاع، متألّفا من أربعة مبان تفتح على صحنين داخليّين وبالإضافة إلى الحجرات الصغيرة المخصّصة للمجاهدين المتعبّدين الذين كانوا يضطلعون بوظائفهم العسكريّة ويعكفون فى نفس الوقت على الصلاة والتأمل، يحتوى الرباط على مسجدين، يأوى أوسعهما اليوم مجموعة فريدة من لوازم العبادة والصناعات التقليديّة فى العهد الوسيط.

ويمكن الصعود فى مدرج حلزونى الشكل، به حوالى مائة درجة، للوصول إلى برج المراقبة الذى كان يتمّ منه تبادل الإشارات الضوئية، فى الليل، مع أبراج الرباطات المجاورة، والذى يتيح للزائر التمتّع بمشهد رائع على مدينة المنستير وشاطئها.

والمنستير مدينة ألفية وتاريخها ثرى بالأحداث وخير دليل على ذلك هو التراث الذى نقلته لنا فقد شهدت حضارات العصر الحجرى إذ بينت الحفريات وجود آثار لأنشطة بشرية ضاربة فى القديم ترجع إلى الحضارة العاطرية التى امتدت بين نهاية العصر الحجرى القديم الأوسط وبداية العصر الحجرى القديم الأعلى "بين 35000 و 25000 سنة قبل الميلاد". ويبدو أن النعت عاطرى هو نسبة إلى بئر العاطر بالجزائر قرب الحدود التونسية. وقد عرفت المنستير فى نهاية فترة ما قبل التاريخ حضارة الحوانت وقد اشتقت هذه التسمية من الكلمة العربية "حانوت" بمعنى الدكّان وذلك حوالى 2000 – 3000 قبل الميلاد وهى حضارة اعتمدت على حفر سراديب فى الشاطئ الصخرى تستعمل للسّكن ثم لدفن الموتى.

ويعود اسم المنستير من اللاتينية "مونستيريوم" أو اليونانية "مونستيريون" هى روسبينا القديمة التى أسسها الفنيقيون سكان صور فى القرن الرابع قبل الميلاد وتعنى كلمة "روبينا" التى هى من أصل بونى الرأس أو بالتحديد شبه الجزيرة. وكانت روسبينا تمتد على أكثر من 8 هكتارات من موقع استراتيجى بعيد عن الغزوات. وقد ساعدت روسبينا البطل القرطاجى حنبعل فى حربه ضد الرومان فى القرن الثالث قبل الميلاد.

ورغم أن روسبينا قد عرفت الحكم الرومانى منذ سقوط قرطاج فى القرن الثانى قبل الميلاد "146 قبل الميلاد" فلا شك فى أن الحضارة البونية وهى اختلاط من الحضارة البربرية والحضارة الفنيقية قد تواصل وجودها فى منتصف القرن الأول قبل الميلاد. وفى تلك الفترة كانت روسبينا مدينة متفردة لها مجلس بلدى وميناء كبير.

وقد اتجه الإمبراطور الرومانى يوليوس قيصر إلى روسبينا بصحبة جيشه عام 46 قبل الميلاد وانطلق منها للدخول فى غزوته الأولى ونصره الأول ضد البومبتين. وبما أنها أول مدينة افريقية تتحالف مع يوليوس قيصر، فقد عرفت روسبينا نموا سريعا وتبوأت منصبا رفيعا ضمن المدن.


img_1338128979_468.jpg

img_1338128980_685.jpg

img_1338128980_895.jpg

img_1338128981_772.jpg

img_1338128981_846.jpg