مركز الجسرة

منى1

Junior Member
5 سبتمبر 2015
211
1
0
تعتبر الحرف والصناعات التقليدية نتاجا حضاريا لعمليات التفاعل الحي بين المجتمعات المحلية، مما تحمله من رؤى وقيم حضارية وبيئتها الطبيعية من جهة، وبينها وبين المجتمعات الأخرى من جهة أخرى.. ومن ثم فهي مظهر من مظاهر الحضارة بل هي وسيلتها للتعبير عن ثقافة المجتمع وأصالته ومكون أصيل للذاكرة الحضارية تجسد المظاهر الحياتية والمراحل التي مرت بها في المجتمع الذي انبثقت منه.

إن المحافظة على الحرف والصناعات التقليدية وتطورها باتت تمثل مطلبا تسعى إليه الكثير من الدول تأكيدا لهويتها الوطنية بما تتسم به من تمايز يكسبها خصوصية تكون مصدر اعتزاز وفخر لها، وتمثل مملكة البحرين في إطار سعيها المحافظة على التراث الحضاريَ إحدى هذه الدول التي وعت الدور الذي يمكن أن تقوم به هذه الصناعات في تحديد هويتها وإبراز تراثها الثقافي والحضاري الموصول بحاضرها ومستقبلها كبلد ترتبط فيه وشائج الماضي والحاضر والمستقبل في كيان عصري يتسم بالتميز .

وبما إن نوعية الحرف والصناعات وطبيعتها في أي مجتمع يتأثر بعامل البيئة وعناصرها الأولية ، وأسلوب الحياة المعتمد فإن الصناعات التقليدية التي اشتهرت بها مملكة البحرين ترتبط ارتباطا مباشرا بالاحتياجات الأساسية للفرد في مجتمع يعتمد على البحر والزراعة والتجارة في معاشه وتستمد خاماتها من المواد المتوافرة في البيئة ، حيث لعبت البيئة دورا ملحوظا في تحديد نوع الصناعات والحرف التي امتهنها الإنسان البحريني قديما .

لذا فان هذه الصناعات تتميز بالتنوع للإيفاء بمستلزمات النشاطات المختلفة التي كانت تعج بها مملكة البحرين طوال تاريخها من غوص عن اللؤلؤ ، وصيد الأسماك ، والزراعة ، وحركة تجارية نشطة استقطبت أعدادا كبيرة من أهالي البلدان المجاورة ومناطقها ممن يبحثون عن الرزق . ومن هنا كان انخراط عدد كبير من أبناء البحرين في هذه الصناعات التي انتشرت داخل المدن وخارجها ، وباتت تمارس في أسواق تسمى باسمها مثل سوق الحدادين وسوق التناكة وسوق الصاغة وسوق الجص وسوق الطواويش وغيرها من تسميات ، إلى جانب أسواق أخرى تقام خارج المدن في بعض الساحات والميادين المفتوحة وكانت تستقطب المزارعين وأصحاب الحرف البيئية في أيام معينة ، لذا عرفت باسم اليوم الذي يقام فيه السوق ( سوق الأربعاء ، وسوق الخميس ) .

كما اشتهرت بعض القرى ببعض الحرف التي تمارس في البيئة الزراعية ، مثل صناعة النسيج في قرية بني جمرة ، والسلال بقرية كرباباد ، والفخار بقرية عالي ، والسفه بقرية الجسرة . أما صناعة السفن والأدوات ذات العلاقة بها فقد اشتهرت بها كل من مدينتي المنامة والمحرق.

ويدل الموروث من هذه الصناعات على مهارة الحرفي البحريني ودقته في إنتاج مواد تلبي الحاجات الأساسية للمجتمع، مما مكنه من
اكتساب مكانة اجتماعية مميزة، الأمر الذي دفعه إلى توريث أبنائه حرفته. والعمل على تعليمه أصولها وخفاياها ، وهكذا تناقلت أجيال العائلة هذه الحرف ، وأصبحت مصدر فخر لها حتى أصبح لقب هذه العائلة مرتبط بالحرفة التي تمارس في أوساطها مثل عائلة الحداد ، الحايكي ، القلاف ، الجصاص وغيرها من أسماء .

ولكن في ظل التغيرات الهائلة التي طرأت على أنماط العيش وأساليبه في المجتمع والانتشار السريع لنمط الاستهلاك الأجنبي وتغلغله اجتماعيا في الشرائح الاجتماعية كافة شهدت الصناعات التقليدية تراجعا واضحا بفعل انصراف الأبناء عن مزاولتها ،ومن تبقى من الحرفيين أصبحوا قاب قوسين أو ادني من الرحيل عن عالمنا مما يهدد هذه الصناعات بالزوال والانقراض .

ومن هنا كان اهتمام حكومة مملكة البحرين بالاتجاه نحو النهوض بهذه الصناعات من خلال سياسات ملائمة تعمل على توفير الآليات اللازمة في ظل الظروف القائمة وتعمل من جهة أخرى على حشد الموارد والجهود وتوجيهها بما يتفق مع الغايات المبتغاة منها.

وفي هذا الإطار أنشأ مركز للحرفيين يعني بإحياء الحرف التقليدية التي تعد جزءاً من تاريخ البلاد وتراثه ، والذي تم بالفعل افتتاحه من قبل صاحب السمو الملكي الأميرخليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر عام 1991م في قرية الجسرة .

وتحت سقف هذا المركز الذي يقع بقرية الجسرة يمارس الصانع البحريني حرفته متمسكا بآلاته وأدواته التي ورثها ، فالنجار ما زال متمسكا بأزميله ومنشاره في صناعته لبعض القطع الجميلة من الأثاث ، والصناديق المنقوشة والسفن الخشبية ، والنساج يعمل بنوله اليدوي ليصنع أنسجهَ بديعة التطريز ، وصانع الفخار يستعمل يديه ورجليه لإدارة آلته التي يصنع بها المباخر والأصص والأواني المزججة ، كل هذا ممزوج بروح عصرية تتمثل في التصميمات الحديثة التي صممت بأحدث برامج الحاسب الآلي يستعين بها الحرفي لتطوير حرفته بما يتلاءم وروح العصر ومتطلباته .

إن الأهداف الرئيسية لإنشاء هذا المركز تتمثل في العمل على إحياء الصناعات والحرف اليدوية وتطويرها من خلال إيجاد جيل جديد من الحرفيين المدربين ، وخلق فرص عمل جديدة أمامهم ، بالإضافة إلى تعزيز الصناعة السياحية في المملكة من خلال جمع الصناعات والحرف اليدوية التي تمارس في قرى المملكة ومدنها في مكان واحد تسهيلا على الزائر والسائح للاطلاع عليها وتعريف جوانب الإبداع والجمال فيها ،والأهم من ذلك مد جسور التواصل بين الأجيال ، وبالتالي المحافظة على الهوية الثقافية لمملكة البحرين .


أما العنصر التســويقي فقد تمثل في اعتماد المركز أحدث الطرق التسويقية، وأبرزها التسويق الالكتروني ، وفتح نقاط بيع في أهم الأماكن السياحية في المملكة والمشاركة في المعارض والملتقيات المتخصصة بالحرف اليدوية محليا وإقليميا ودوليا .