فن الأصابع الذهبية
الخيامية .. انفراد فرعوني مبارك بكسوة الكعبة
فن النسيج المصري أصيل انفردت به مصر عن باقي دول العالم، وكلمة الخيامية تعني صناعة الأقمشة الملونة التي تستخدم في عمل أماكن للعزاء، وربما يمتد تاريخ هذه المهنة إلى العصر الفرعوني ولكنها بالتأكيد أصبحت أكثر ازدهارا قي العصر لإسلامي ولاسيما العصر المملوكي.وقد كانت ترتبط الخيامية قديما بكسوة الكعبة المزينة بخيوط الذهب والفضة، والتي كانت تقوم مصر بتصنيعها حتى فترة ستينيات القرن الماضي وإرسالها للحجاز في موكب مهيب يعرف باسم المحمل. وقديما كانت هناك طقوس خاصة لاعتماد أي حرفي خيامي جديد ينضم لتلك الطائفة حيث كان يتم اجتماع الخيامية وشيخهم لرؤية وفحص أعمال الخيامي الجديد، فإذا كانت على المستوى المطلوب يقيم الحرفي مأدبة اعتماد لجميع الخيامية للاحتفال بانضمامه للمهنة، أما حاليا فدخول المهنة يتم بشكل تلقائي بعد تعلمها. صناعة الخيامية

إذ يقوم الفنان بقص وحدات القماش وتطريزها مع بعضها البعض، وقد يقومون بعمل ما يسمى «تفسير» وهو عبارة عن حياكة خيوط فوق القماش وذلك لعمل الملامح إذا كان التصميم عبارة عن منظر طبيعي وذلك لإضفاء روح على التصميم وغالبا ما تكون التصميمات إما فرعونية أو إسلامية هذا بالإضافة إلى الآيات القرآنية والمناظر الطبيعية. وكان العرب الذين يقيمون في الخيام يحرص كل منهم أن تختلف خيمته عن الخيام الأخرى وذلك من خلال الرسومات والأشكال والألوان المنسوجة. ومع تطوير محمد علي للحرف والصناعات في مطلع القرن التاسع عشر قام بتحديث صناعة النسيج، وأصبحت صناعة الخيام تتم بصورة آلية، مما وضع الحرفة اليدوية في مواجهة هذا التطور والصراع من أجل البقاء. ولوحات الخيامية تستخدم للتعليق بالغرف وأحيانا يعتبرها البعض جزءا مهما وأساسيا في ديكور المكان، وقد اهتمت النوادي والفنادق مؤخرا باستخدامها. ترك السرادقات أما أكثر المنتجات طلبا فهي «الترك» أو القماش الخاص بالسرادقات، ولكن الطلب أكثر على المطبوع وليس اليدوي وذلك لرخص ثمنه عن اليدوي، هذا بالإضافة إلى السجاد اليدوي والقعدات أو الجلسات العربية، ويعتبر فصل الشتاء وشهر رمضان المبارك هم أشهر الرواج لهذه الصناعة، أما في فصل الصيف فتعاني المهنة من الركود. حين يهل شهر رمضان يستعد المصريون لاستقباله بمشاعر مليئة بالبهجة حيث تنكسي مصر بأعمال الخيامية من خيم رمضانية وسرادقات وأعلام صوفية وغيرها. يقول أصحاب المهنة بأن هذه المهنة لا يقدرها غير الأجانب أما المصريون فلا يعرفون عنها شيئا، فالقليل منهم من يعرف ما هي الخيامية. خيامية نسائية ومما هو جدير بالذكر أن المرأة اقتحمت هذه المهنة بعد أن كانت مقتصرة في السابق على الرجال فقط، فهناك العديد من السيدات تعلمن هذه المهنة بل زاحمن الرجال فيها حيث إنهن يرتضين بأسعار أقل من الرجال وذلك لأنهن يعلمن في بيوتهن فلا يتكفلن ثمن المواصلات. كما أن منهن من يزاولن العمل بهذه المهنة أو الحرفة في المنزل وكانت طريقة جلوسهن تسمى التربيعة. إن الإقبال أكثر على التصميمات الإسلامية، كما أن أسعار منتجات الخيامية متفاوتة، وقد يصل السعر لإحدى القطع لآلاف الجنيهات. أما عن أشكال المنتجات فذكر أنها متنوعة ما بين الحقائب والصديري العربي وأحزمة ومفارش سرير ومناديل رأس وماكيتات صغيرة للزينة، هذا بالإضافة إلى الخيم الكبيرة، والتي يقبل على شرائها العرب من دول الخليج العربي. ومن الملاحظ في المحلات الخاصة ببيع منتجات الخيامية خلوها من المنتجات الصينية المقلدة، فمن الواضح أن الصين لم تستطع اختراق الخيامية كغيرها من المهن. ازدهار الخيامية

ويختلف الباحثون حول فن الخيامية من حيث جذوره التاريخية، البعض يقول أن هذا الفن عرفته مصر في العصر الفرعوني ويرجعه البعض إلي العصر الفاطمي وآخرون للعصر العثماني إلا أن الازدهار الحقيقي للخيامية لمسته مصر في عصر المماليك. ومن أشهر الأماكن التي ينتشر فيها هذا الفن شارع الخيامية المتفرع من شارع تحت الربع بالدرب الأحمر، ويقع هذا الشارع بجوار بوابة المتولي في منطقة قصبة رضوان، وانتقل إليه أصحاب الحرفة بعد حريق الفسطاط في أواخر العصر الفاطمي علي يد الوزير شاور الذي أتى على الأخضر واليابس. وعن أشهر الخيام التي ذكرت في العصور السابقة خيمة قطر الندى ابنة خماروية في العصر الطولوني وخيمة السلطان قنصوة الغوري، وكانت عبارة عن قصر متحرك، إلا أنها اختفت بمقتله في موقعة مرج دابق سنة 1516م. فكرة الفراشة ترجع فكرة الفراشة إلى فكرة إنشاء الخيام وهي فكرة قديمة وضعت أساسا لابتكار مسكن متنقل باستخدام قماش له طبيعة خاصة وذلك مع مساعدة بعض الخيوط والألواح الخشبية، إلا أنه في العصر المملوكي تم صنع خيام ضخمة خصصت لإقامة الاحتفالات والأعياد وإحياء المواسم ,اي من المناسبات السلطانية التي يشارك فيها السلطان الشعب. ويتحاكى المؤرخون بخيمة السلطان الغوري وما حدث لها بعد دخول العثمانيين مصر. تطورت عملية استخدام الخيام بعد ذلك لإحياء المناسبات الخاصة، حيث أصبحت أمرا متعارفا عليه بين الناس فهذه الفكرة تساعد على تحقيق أهم شروط المناسبات عند المجتمعات الشرقية وهي الإشهار والإعلان سواء عند الزواج أو الوفاة حتى يتشارك أهل الحي في المناسبة فهي بمثابة دعوة عامة. كما أنها وسيلة لحفظ خصوصية المنازل من دخول الغرباء وخروجهم وطريقة لإبراز مظاهر الترف والتباهي أمام أهل الحي، والغريب أن عدم إقامة سرادق «صوان» كبير يعتبر في نظر كثيرين من قاطني الأحياء الشعبية بمثابة اهانة للمتوفي. الخامات المستخدمة وعن الخامات المستخدمة لإقامة الفراشة فالهيكل الأساسي لها هو تركيبات العروق الخشبية من الخشب العزيزي «نوع من الأخشاب الصنوبرية» من خلال تجميع هذه الأخشاب وربطها بالحبال يتحدد حجم الصوان. أما القماش الذي يكسي الهيكل الخشبي للصوان فهو من نوعية خاصة من الأقمشة فالغطاء الداخلي للصوان يتكون من أتواب وكل توب يتكون من طبقتين أو ثلاث. أما الخلفية تكون من قماش الخيامية وهو من القطن ويطلق عليه الدك ذو مواصفات خاصة لا يتأثر بأشعة الشمس بسهولة ويتحمل الشد أثناء فرده على الصوان ثم توضع الطبقة الثانية وهي إما مطبوعة مباشرة بالأشكال التي تشتهر بها رسومات الخيامية أو تكون خلفية يتم التطريز عليها. قطع القماش هذه عادة ما تكون أشكالا زخرفية يتم تثبيتها بالخياطة اليدوية وهي من أقدم أنواع التطريز المعروفة على الاطلاق وأرخصها ويستخدم في ذلك قماش ناعم بألوان زاهية وغالبا ما تكون الأشكال عبارة عن رسوم هندسية ونباتية مستوحاة من البيئة المحيطة من نباتات ومباني أثرية وأشكال كثيرة. لقد كانت الفراشة على مدار التاريخ أربع نقشات أساسية فقط وهي السنان والنسر والانجليزي واللوتس، وقلة هذه التشكيلة من النقشات ترجع إلى تعقيد عملية تصنيع الفراشة يدويا. لذا يستلزم تصميم شكل جديد للنقوش تعليم جيل كامل من الصناعيين وأن بعض التصميمات في بداية تصنيعها استلزمت أعوام من العمل المنفرد. والفراشة لا تزال منتشرة حتى الآن في جميع أنحاء مصر فلا يخلو أي حي شعبي من أكثر من محل للفراشة وذلك لما لهذه الفكرة من مرونة ساعدت على اشباع رغبة وأسلوب الحياة الشعبي. سوق ومصطلحات سوق الخيامية صغير جدا طوله حوالي 100م تقريبا، وأغلب الموجودين فيه توارثوا المهنة أبا عن جد. وفي عام 1952 خرجت فكرة تأسيس أول نقابة لصناع المهنة، وكان رئيسها سعودي درويش. وأشهرت النقابة عام 1953، وضمت نحو 100 من أرباب هذه المهنة. وكان مقرها التكية القديمة في الدرب الأحمر في شارع يكن باشا. وقد فشلت هذه التجربة وتم حل النقابة عام 1955. أما عن أشهر عائلات الخيامية فهناك عائلة: الليثي، حمدي فتوح، محمد هاشم، فروجة. ويستخدم العاملون في الخيامية مصطلحات طريفة خاصة بعملهم مثل البلح، اللوزة، رأس الثعبان، الشاكوش، الذقن، الراكب وغيرها الكثير وتعتبر هذه المصطلحات أسماء لوحدات زخرفية. ورد في التاريخ ما يدل على استخدام هذا الفن الجميل مثل إقامة السرداقات الواسعة في الاحتفال بالمولد النبوي. كما ذكر عن الخيام في القرن التاسع عشر ما يفيد أنه إذ أقيم مأتم وفرح ما، استعد أهله بصوان كبير من الخيام الملونة من الأبيض والأحمر من الداخل. كما يستخدم هذا الفن في الأعلام واللافتات التي تمثل الطرق الصوفية المختلفة، والأعلام، التي تستخدم في جميع الموالد. وكسوة الضريح التي تنفذ بطريقة خاصة، ولابد أن تكون خضراء قاتمة اللون مكتوب عليها بالأبيض. في وقتنا هذا نجد أن هذا الفن الجميل يلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب دخول الطباعة عليه، وتطور صناعة النسيج ليصبح فنا مهدد بالاندثار والانقراض.