تعرف على حمامات البلدية

براءة الورد

:: مسافر ::
21 مارس 2016
3,500
80
0
40
اشتهرالمغرب بغناه بالمدن العتيقة التاريخية، ومن بينها أقدمها على الإطلاق مدينة فاس التي تشكل جزءا أساسيا من التراث الوطني، ويكفي السائح أن يتأمل غروب الشمس من على شرفات فندق المرينيين ليستنتج دوافع البشر الذين استوطنوا على مدى التاريخ هذه البقعة الطيبة من الأرض، تحولت إلى مدينة تعد أكثر مدن العالم سحرا وجمالا وتألقا، تجمع بين الماضي والحاضر.
فالرياضات والقصور والجوامع والأسواق الكثيرة والأحياء القديمة والشوارع الضيقة اللولبية والمساكن المتلاصقة المحاطة بالأسوار القديمة؛ لتعيد عبق الماضي العتيق لتاريخ مدينة أسست في القرن الثامن الميلادي على يد إدريس الثاني. ثم شهدت بعده تطورات عمرانيا واقتصاديا كبيرة ومهمفة على عهد يوسف بن تاشفين خلال القرن الحادي عشر الميلادي، وعلى عهد الموحدين خلال القرنين الثاني والثالث عشر، حيث ازدادت تطورا وتمدنا تحول مسجد القرويين فيها إلى جامعة ومركز للتيارات الفكرية والدينية. هذا التطورالعمراني والاقتصادي والثقافي لفاس دفع بالمرينيين لاختيارها عاصمة لمملكتهم، واستمرت كذلك خلال عهد المولى رشيد الملك مؤسس الدولة العلوية عام 1666م، قبل أن يختار شقيقه المولى إسماعيل مدينة مكناس عاصمة جديدة للملكه•
تميزت فاس عن غيرها من المدن طيلة تاريخها العريق بما حوته من تراث وطني مغربي عربي إسلامي، من مساجد وجامعات ومدارس وحمامات وأسواق وقصور وبروج قديمة شامخة بتاريخهاالعريق وعمارتها الفريدة وزخارفهاالجميلة•مماجعلها مقصدا للسياح العرب والأجانب، ودفع بمنظمة(الأونيسكو) إلى وضع خطة لترميمها وإعادة إسكان أهلها• وتتوزع فاس على مدينتين واحدة قديمة، وأخرى حديثة، وبذلك فهي تمزج بفنية عالية بين ماضي عريق، وحاضر حديث معاصرة. فما رأي القارء الكريم أن نترك أعباء العمل ومشاكلنا اليومية وراء ظهورنا ونبحر معا في دروب التاريخ الفاسي القديم والحديث ونتنفس أكسجين عشق الراحة الممزوج برائحة الصابون البلدي والغاسول الممزوج بالورد والنعناع وعود النوار والحبق والخزامة، في حمامات فاس الشعبية التي توفر لحظات خاصة ومتعة متميزة، بروائح وطقوس مقدسة. الحمامات الشعبية المغربية كمثيلاتها التركية -مع بعض الفارق- أماكن تعيد لمرتاديها سنوات من العمر الضائعة، مقابل حصة واحدة احترمت فيها آداب وطقوس "التحمام".
فهي تنقي الجسم وتطهير الروح في جو إسترخاء شرقي أصيل، وهي مكمل فعال للحركات الرياضية، تعيد الحيوية وتجدد النشاط وتمنح الشعور بالشباب واليفاعة، بما تديب من شحوم زائدة تنقص الوزن وتخفف منه…
كم كنا نفرح ونحن صغارا، كلما حان أوان الذهاب لحمام الدرب أو حمام الحومة كما تسميه ساكنة الأحياء الشعبية، مصحوبين بأفراد العائلة، أو مع الأصدقاء وحتى بمفردنا، فالمتعة كانت عظيمة في كل الأحوال والظروف، فالحمامات برداد بخارها المتطاير في أجواء المقصورات، وخاصة ذات درجات الحرارة العالية (الداخلي) والقريبة من مصدر المياه الساخنة (البرمة). فالحمامات تطهرالأجساد من أدرانها، وتخفف توثرات النفوس المنهكة وتخلصها من خمولها وكسلها بفضل التدليك (التكسال) الذي يقوم به إختصاصيون ورثوا الحرفة/الفن عن معلمين حذقين كبار اتقنوا تقنيات المهنة، وخبروا فنيتها يسمون ب (الكسالة)… الحمام في التاريخ :
حمامنا الشعبي (البلدي) ومثيله التركي، هما سليلا الحمام اليوناني الذي بدأ إستغلاله على نطاق واسع في الأحياء الشعبية اليونانية مند قرون، حيث أن الشعب الروماني عرف الحمامات بزمان بعيد جدا، ولعبت عنده أدوارا سوسيوثقافية إلى جانب استعمالها كأماكن للراحة والإسترخاء، كانت اماكن تثقيف بما تضمنت بين جنباتها من مكتبات ومسارح ومطاعم…
وقد عرف العرب أيضا نظام الحمامات كأماكن للتطهير (للبروجوازيين) إبتداء من القرن الرابع عشر،إلا أنها لم تكن عمومية بل خاصة بالطبقة الميسورة والبروجوازية. وقد بلغ عدد الحمامات في بغداد وحدها المآت من الحمامات العمومية التي كان يرتادها كل الأجناس جنبا لجنب…
لقد عاودت الحمامات إحتلال إهتام العديد من زبنائها القدامى والذين تخلوا عنها في وقت معين منبهرين بما حوته فللهم وشققهم من حمامات فاخرة مجلوبة بعد أن اكتشفوا أنها لا تعوض الحمامات الشعبية، وأنها سبيلهم لحرق السعرات الحرارية المسببة للكلسترول عدو الأنسان في عهد الهمبورجر والكلات الجاهزة…