في كتابها الجميل الممتع "حلّق" تقول أريانا هافنجتون: "تبقى المتاحف والمعارض ضمن الواحات القليلة التي من شأنها إمدادنا بما أصبح نادرًا بدرجة كبيرة في عالمنا: وهي الفرصة لقطع الاتصال بحياتنا المتصلة بشكل دائم، واختبار الشعور بالتعجب!".
وعلى الرغم من أن إسطنبول مليئة بالمتاحف المدهشة والمعارض ذات الفن العريق، إلا أن نفسي لا تفتأ تذكر مساجد إسطنبول ذات الطراز الفني الجميل، حيث العمارة بأبهى صورها، والبناء بأجمل حلله.
وعلى الرغم من أن إسطنبول مليئة بالمتاحف المدهشة والمعارض ذات الفن العريق، إلا أن نفسي لا تفتأ تذكر مساجد إسطنبول ذات الطراز الفني الجميل، حيث العمارة بأبهى صورها، والبناء بأجمل حلله.
مساجد إسطنبول هي متاحف فنية جميلة شيدت بعناية وهندست على يد مهندسين بارعين، عشقوا الجمال وخلدوه في بنائهم وأعمالهم، حيث لا يمكن للزائر لهذه المساجد إلا أن يلمس هذه البراعة ويشاهدها في زوايا هذه المساجد وقبابها.
خلال تجوالك في مساجد إسطنبول الرئيسية لا تمتلك إلا أن تصيبك الدهشة ويعتريك التعجب مما ترى من جمال وجلال في ذات الموقع! وربما تكون هذه المساجد هي المكان شبه الوحيد الذي يعشقه العبّاد والفلاسفة في ذات الوقت، ويرتادونه باستمرار، وكيف لا؟ وهي تقبع بسكينة وهدوء بين صخب مدينة عالمية عامرة بالحركة والتمدد.
عند التأمل في مساجد إسطنبول يغشاك نوعان من التعجب، أما الأول فهو تعجب العشاق الذين يدركون قيمة الفن ويقدرونه، وينقبون في تفاصيل كل عمل فني بحثًا عن ما يدهشهم أو ينعشهم!
وأما الثاني فهو تعجب أهل المادة الذين يحاولون إدراك حجم التكنولوجيا المعمارية التي كانت لدى هؤلاء الأقدمين لعمارة مثل هذا النوع من البنيان!
محظوظ من يقتطع من وقته جزءًا وفيرًا للتأمل في جمال ما حوله، ومحظوظ أكثر من يعيش هذه الحالة في ضيافة أرض الجمال وعاصمة العالم كما أسماها نابليون.
يقول أهل منطقة الفاتح في إسطنبول بأن "روح الفاتح ما زالت تحوم حول جامعه"، ولا شك بأنك عند دخولك إلى محيط جامع الفاتح أو جامع السلطان أحمد تشعر براحة تسري في أنحاء جسدك، وتحس ببهجة لطيفة حلت على روحك، فتغزو همومك وتبددها، فكيف إن كانت زيارتك في ظل نسمات ربيعية مخملية تحرك هدوء جوارحك دون إرباكها.
عندما تصلي في أحد مساجد اسطنبول فإنك تجد أنسًا جميلًا لا تكاد تجده في غيره من المساجد، إذ تعود بك الذكرى إلى أجداد أبطال نشروا الرحمة في كل بقعة حرروها من ظالم مستبد مغرور، وزرعوا المحبة في كل أرض وصلت لها دولتهم التي ضمت أشهر الفنانين والمعماريين والمبدعين.
أتأمل زوايا جامع السلطان أحمد وأقول في نفسي: "أي جمال كان سينقصني لو لم أتأمل هذه التحفة الفنية؟ وأي حكاية عشق كانت ستطير من بين أيدي لو لم أزر هذا المكان؟.. هي جميلة الملامح، بهية الروح، ذات إشعاع روحاني نفاذ!".
في مساجد إسطنبول يمتزج جمال الصورة مع جمال الصوت، فيشكلان معًا لوحة فنية مبدعة تذهب بجوانب الروح وتحلق بها في آفاق بعيدة، حيث سكينة العابدين، وجنة القاصدين.
ومن غير المفاجئ أن تعتبر هذه المساجد من أكثر ما يلفت انتباه زوار إسطنبول وقاصديها، وأكثر ما يعجبهم ويحوز على رضاهم، ولا يترددون في تكرار زيارتها كلما سنحت لهم فرصة أو توفر لهم وقت، ولا يزالون يذكرونها كلما لاحت لهم الذكرى من بعيد أو قريب.