شهد عام 1242 ولادة أحد أشهر الينابيع الساخنة في العالم في منطقة «باد راغاز» الواقعة عند أسفل جبال الألب إلى الجهة الشرقية من سويسرا، على أيدي رهبان بيديكتيين كانوا في رحلة صيد، ليتفاجأوا بانبعاث الماء الساخن من صخور «تاميما غورج» وكان هذا الاكتشاف حينها بمثابة أعجوبة حقيقية، وسرعان ما انتشر الخبر في مناطق «أراضي هايدي» الشهيرة. وفي النصف الأول من القرن الثالث عشر بدأ الحجاج يشقون طريقهم باتجاه دير «بفافيرز» القريب من «باد راغاز»، حيث يفتح وادي «تاميما» ذراعيه على وادي «الراين»، رغبة في الاستحمام في الماء الساخن المنبعث من الصخر والذي تبلغ حرارته 37 درجة مئوية. وفي القرن الرابع عشر ذاع صيت الينابيع، وولد توجه جديد يهتم بالصحة والبنية القوية فبنى أسياد الدير أول حمام بالقرب من النبع، إلا أن الطرقات الوعرة وصعوبة الوصول إلى الماء المنبعث من حفرة عميقة حال دون وصول الجميع إلى هذا المكان الذي كان يعرف «بالأعجوبة»، فكان يتعين على المغتسلين في ماء الينبوع الجلوس في كراسي من الخشب وربطهم بحبل وإنزالهم في الحفرة، ولم يكن بوسع غير المقتدرين ماديا القيام بهذه الخطوة لذا كان استخدام الحمامات الساخنة يقتصر على الأثرياء فقط.
وفي عام 1535 أكد البروفسور باراسيلوس فون هوهينهايم، الذي كان أول طبيب في المنطقة، فوائد مياه الينابيع الساخنة، وظل الحمام على حاله إلى أن تحولت ملكية الدير إلى جهة أخرى فتم بناء قصر رائع التصميم على مقربة من الينابيع وهو اليوم تابع لمنتجع «باد راغاز» الصحي الذي يعتبر من أرقى المنتجعات الصحية في أوروبا.
وتم سحب المياه وتوصيلها على مسافة 4 كيلومترات إلى قرية «راغاز» وعندها، وتحديدا في بدايات عام 1840 أصبحت المنطقة مشهورة بينابيعها واحتلت مكانة واسعة على نطاق الرحلات الصحية التي كانت تجذب السياح الأثرياء والنبلاء القادمين من روسيا الذين كانوا يسكنون في القصر الذي تحول فيما بعد إلى فندق «غراند هوتيل هوف راغاز» صاحب النجوم الخمسة.
وبعد حصول المهندس المعماري السويسري برنارد سايمون على الملكية التامة لراغاز من كانتون سانت غالين وبما في ذلك الحصول على رخصة تخوله استخدام مياه الينابيع الساخنة لمائة سنة، وبموجب توقيعه على تلك الملكية وجد سايمون نفسه ملزما ببناء نزل أخرى لاستيعاب الزوار كما توجب عليه بناء حمام للعموم، وهذا الشرط فرض عليه لتكون فرصة الاستحمام في المياه الصحية متاحة أمام الجميع وليس فقط أمام الزوار الأغنياء. وهكذا كانت بداية منتجع «باد راغاز» الراقي الذي يضم فندقين هما «غراند هوتيل كيلينهوف وسبا» المدرج في لائحة «الفنادق الرائدة في العالم، فئة فنادق سويسرا الفاخرة»، و«غراند هوتيل هوف راغاز» المدرج على لائحة «الفنادق الرائدة في العالم، فئة تصنيف الفنادق الراقية والخاصة».
يضم المنتجع إلى جانب حماماته العامة والخاصة ملعبا لممارسة لعبة الغولف بـ18 حفرة، إضافة إلى ملاعب أخرى مهيأة بـ9 حفر. ويعتبر المنتجع، الذي يمكن الوصول إليه عن طريق القطار من محطة زيورخ الرئيسية وتستغرق الرحلة ساعة واحدة من الزمن، روعة سياحية وطبية ممزوجة معا، في أحضان طبيعة خلابة وهدوء لافت.
عند وصولك إلى الفندق الذي تراه على شكل أكثر من مبنى، سوف تتساءل عن السبب في اختلاف التصميم الخارجي لكل مبنى، ولكن عندما تغوص في تاريخ هذا المكان سوف تدرك أن لكل مبنى قصة وتاريخا يحدد ملامحه وفي الوقت نفسه يؤدي وظيفته على أكمل وجه.
فبعد عملية إعادة تأهيل واسعة، تم افتتاح الفندق من جديد عام 2009 وكانت النتيجة «سبا» يمتد على مساحة 5 آلاف و500 متر مربع ويضم 9 غرف راقية مخصصة للتدليك يقدم فيها نخبة من الاختصاصيين أنواعا لا تحصى ولا تعد من المساجات العالمية بما فيها الهندية «الأيورفيدك»، وتنتشر في «السبا» أيضا غرف السونا على الطريقة الفنلندية وأخرى تعرف باسم «ساناريوم» تعتمد على نظام آخر للحرارة وينفرد «السبا» في المنتجع بتقديم فرصة الاسترخاء في سرير صمم خصيصا للمنتجع على شكل صفدة أو مركبة فضائية أطلق عليه اسم «ناب شيل» وهو مخصص للاسترخاء وسماع الموسيقى الهادئة مع سقوفية تتغير فيها الألوان باستمرار. والمتعة الحقيقية تقتصر على الاستحمام في حمام السباحة الذي تستعمل فيه مياه الينابيع الساخنة من دون إضافة أي مادة أو تعديل وتوجد أيضا بركة سباحة خارجية أيضا تفتح أمام الزوار في شهر مايو (أيار) ولغاية انتهاء فصل الصيف، ومنها تشاهد أجمل المناظر المطلة على سفح جبال الألب الخلابة. وفي «السبا» أيضا، إضافة إلى بركة «هيلينا»، حمام بخار تزينه حجارة الشواروفسكي البراقة المقاومة للحرارة العالية، وفي وسط «السبا» تجد «سونا وورلد» وهو عبارة عن بركة مياه تم تخفيض حرارتها بشكل ملحوظ وتتدلى من فوقها شلالات مياه على شكل أمطار موسمية تضفي على المكان سحرا إضافيا من الناحية الجمالية، أما من الناحية الصحية، فهذه الطريقة تعتمد في أشهر المراكز الصحية وينصح بها بعد الجلوس في غرف السونا أو البخار مباشرة لأنها مفيدة لنضارة البشرة.
ولأصحاب الميزانيات العالية، والمتزوجين حديثا والباحثين عن الخصوصية التامة، يمكنكم استئجار «السبا الخاص» الذي يضم بركة «جاكوزي» وغرف سونا وبخار، وسولاريوم وركنا لتصفيف الشعر بكل لوازمه، وركنا آخر مخصصا للأكل أيضا، يمكن إجراء الطلبات عن طريق الهاتف، ويتم توصيل المأكولات إلى الداخل بكل خصوصية، وشاشة مسطحة عملاقة، هذا ويضم «السبا الخاص» حديقة خاصة أيضا يمكن الاستجمام فيها بعيدا عن أنظار الغرباء، كما يمكن إجراء العلاجات والمساجات في «السبا الخاص»، في حال كان خيار الضيف تمضية عطلته بخصوصية تامة جدا.
ومن أهم ما يتمتع به المنتجع أيضا، مركز صحي ورياضي يشرف عليه عدد كبير من ألمع الأسماء في عالم الطب والتنحيف، إضافة إلى ناد صحي مجهز بأحدث المعدات ويساعد على استخدامها مدربون متخصصون، والمركز الصحي يقصده الرياضيون المشتركون في الألعاب الأولمبية من حول العالم، ويعمل فيه 70 متخصصا وعلى رأسهم الدكتور كريستيان شليغيل، وحاز المركز رسميا على لقب المركز الطبي الأولمبي عام 2004.
ويعتبر المركز الصحي مهما جدا لهؤلاء الذين يعانون من الوزن الزائد، بحيث يمكن حجز برنامج كامل يضم الإقامة والتخسيس والطبابة تحت إشراف أطباء مختصين.
ويقول الدكتور واختصاصي التغذية كليمنس زيبر لـ«الشرق الأوسط»: إن الفندق يقدم الكثير من التسهيلات للمرضى، بحيث يوجد فيه إلى جانب المركز الصحي مستشفى وغرف عمليات تجرى فيها شتى أنواع العمليات الجراحية بما فيها عمليات التجميل، ويتابع زيبر: إنه يقوم بمساعدة الكثير من النزلاء من أصحاب الأوزان الثقيلة على خسارة الوزن الزائد بطرق صحية، والإيجابي في الموضوع هو توفر كل العناصر التي يحتاجها المرء للتخسيس تحت سقف واحد، فعادة ما يكون النظام مؤلفا من وجبات غذائية صحية يحضرها الطهاة في مطاعم ومطابخ الفندق، والسباحة في المياه الساخنة والتمرينات في النادي والمشي في الحدائق المحيطة بالفندق، ويتابع زيبر: إنه لا يوجد مدة زمنية محددة لاتباع برنامج ما، فكل حالة تفرض زمنها وشكلها.
وبالنسبة للديكور، فتختلف الديكورات بين مبنى وآخر، ففي المبنى الحديث لـ«سبا سويتس» تجد أجنحة معاصرة جدا يضم كل منها جاكوزي وغرفة بخار وسونا، ولم ينس المصمم أيا من التفاصيل التي تجعل من الإقامة ذكرى لا تنسى، لدرجة أنه تم تزويد مراتب الأسرة بأجهزة للتحكم بسماكتها وطراوتها. وتطل الأجنحة على مناظر طبيعية خلابة وعلى الحمام العمومي الذي تم تصميمه على غرار تصميم الفندق ليتناسب مع النمط العام للمكان، كما تنتصب في حدائق الفندق شجرتان من عائلة «الصنوبر» تعتبران الأكبر سنا في أوروبا.
وللذين يفضلون النزول في فنادق تقليدية بديكور كلاسيكي وملكي يمكنهم الإقامة في «غراند هوتيل هوف راغاز» الذي لا يزال يحافظ على مزايا القصور من ناحية الأثاث والتصميم.
المنتجع هو أشبه بمدينة كاملة متكاملة، عند الإقامة فيه لن تشعر بالحاجة إلى مغادرته لقضاء حاجياتك، لأنه يضم كل ما تحتاج إليه من محلات للتبضع ورياضات ومطاعم، فهو يضم عدة مطاعم نذكر منها مطعم «أبتيستيوب» المختص في تقديم المأكولات السويسرية التقليدية في أجواء ريفية جميلة ومطعم «بيلير» الذي يقدم المأكولات العالمية ويخصص بعض الأمسيات للمأكولات اليابانية التي يحضرها الطاهي الياباني تاداشي أوكي الحاصل على 15 نقطة «غولت ميلو» للتميز. ولمحبي المأكولات المتوسطية ننصحهم بالتوجه إلى مطعم «أوليف دور» أما بالنسبة لمطعم «نانوم» فهو حاصل على 13 نقطة «غولت ميلو» ويقدم المأكولات الآسيوية بشتى أنواعها. وتنتشر في الفندق عدة مقاهٍ أخرى مخصصة لتناول الشراب في أجواء راقية جدا وعلى الأنغام المنبعثة من البيانو التي تصدح في زوايا المكان.
وإذا كنت بصحبة العائلة والأطفال، فيقدم الفندق فكرة ذكية جدا تقدم للأهالي فرصة للراحة من خلال ترك الأطفال والصغار في «كيندر فيلا» وهي عبارة عن فيلا أو مبنى مخصص لهم فيه حاضنات أطفال يقمن برعايتهم على مدار الساعة، كما يكون بإمكان الصغار القيام بالكثير من النشاطات المخصصة لهم، فالمبنى آمن ومجهز بالألعاب التي تناسب جميع الأعمار.
وإذا أردت الخروج من الفندق للتنزه خارجه فيمكنك القيام برحلة مشي على الأقدام تأخذك إلى قلب القرية حيث تنتشر المحلات الصغيرة المخصصة لبيع التذكارات والأجبان بالإضافة إلى سوبر ماركت «ميغرو» الأشهر في سويسرا ومحلات لبيع الحلي والأحجار شبه الكريمة.
وإذا أردت التسوق بالمعنى الحقيقي فيمكنك طلب سيارة من الفندق لتقلك إلى شارع مخصص للتسوق يبيع الماركات العالمية بأسعار مدروسة ويعرف هذا السوق باسم «البينراين أوتليت» وفيه تجد أشهر الماركات العالمية مثل «كالفن كلاين» وماركات سويسرية شهيرة أيضا بما في ذلك محلات لبيع الشوكولاته بأسعار أرخص من باقي المحلات الموجودة. ويقع السوق على بعد نحو 10 دقائق بواسطة السيارة.
من أهم النشاطات التي يمكنك القيام بها في الفندق إضافة إلى السباحة والاستفادة الطبية من المياه التي تصل إلى الفندق ولا تضاف إليها مياه معدنية غير تلك الآتية من الينابيع، لدرجة أن المياه الساخنة في الغرف والأجنحة مصدرها الينابيع وليست مصادر أخرى، يمكنك الانضمام إلى رحلات لممارسة رياضة «النورديك»، أو رحلات على الدراجات الهوائية، وفي الشتاء يمكنك التزلج في منتجعات مخصصة لهذا الغرض تبعد نحو الساعة عن المنتجع، كما أن موقع الفندق القريب من زيورخ وتوفر الخدمات الخاصة برجال الأعمال وصالات عقد الاجتماعات يجعل من المنتجع عنوانا مناسبا وراقيا لكل من يرنو إلى فن الضيافة الراقية.